للتصدي لجائحة كوفيد-19، طبقت البلدان في جميع أنحاء العالم مجموعة من السياسات الاحترازية لفرض التباعد الاجتماعي والمساعدة في التخفيف من حدة الجائحة. وفرضت معظم البلدان عمليات إغلاق مشددة في أبريل من العام الماضي قبل تخفيفها تدريجياً خلال الفترة المتبقية من العام (الرسم البياني 1). ثم اضطرت عدة بلدان إلى تشديد عمليات الإغلاق مرة أخرى للاستجابة لزيادة حالات الإصابة بفيروس كوفيد-19 خلال فصل الشتاء في النصف الشمالي من الكرة الأرضية. ومع ذلك، فإن كل بلد يختلف عن الآخر، وقد أدى ذلك إلى تعدد الأساليب لإدارة الجائحة.
لقد تم بالفعل كتابة الكثير حول موضوع استجابات الحكومات للجائحة. والمقياس الرئيسي المستخدم لقياس مدى صرامة عمليات الإغلاق في معظم التحليلات هو مؤشر التتبع الخاص بجامعة أوكسفورد لقياس مدى صرامة استجابة الحكومات لفيروس كورونا. وهو مقياس مركب لقياس استجابة الحكومات من خلال رصد إغلاق المدارس وإغلاق أماكن العمل وإلغاء الفعاليات العامة وفرض قيود على التجمعات العامة وإغلاق وسائل النقل العامة ومتطلبات البقاء في المنزل والحملات الإعلامية العامة وفرض قيود على التحركات الداخلية وضوابط السفر الدولية.
في هذه المقالة، سنستخدم المؤشر المذكور أعلاه لإجراء تقييم للتدابير التي اتخذتها العديد من الحكومات في جميع أنحاء العالم. وسيساعد ذلك في التحقق من صحة تقييمنا لمدى قدرة اقتصاداتها على تحقيق التعافي السريع خلال الفترة المتبقية من العام. وسنأخذ في الاعتبار عدداً من الاقتصادات الرئيسية في ثلاث مجموعات: 5 اقتصادات في منطقة اليورو، واقتصادا المملكة المتحدة والولايات المتحدة، و5 اقتصادات آسيوية (الرسم البياني 2).
تضررت دول منطقة اليورو بشدة من الموجة الأولى من الجائحة في أوائل عام 2020، وأيضاً بسبب زيادة الحالات في فصل الشتاء في نهاية العام. لذلك، كانت لديها عمليات إغلاق مشددة في المتوسط خلال فترة الـ 14 شهراً الماضية ولا تزال لديها بعض أكثر عمليات الإغلاق صرامة في العالم في أبريل 2021 (الرسم البياني 2). ومن المفهوم أن ذلك أثر بشكل سلبي على اقتصاداتها.
على غرار أوروبا، تضررت المملكة المتحدة والولايات المتحدة بشدة من الموجة الأولى من الجائحة واضطرتا أيضاً إلى فرض عمليات إغلاق مشددة (الرسم البياني 2). ومع ذلك، فقد أحرز كلا البلدين تقدماً سريعاً في حملات التطعيم (الرسم البياني 3)، مما سيسمح لهما بتخفيف الإغلاق التدريجي خلال الأشهر القليلة المقبلة والبدء في التعافي الاقتصادي.
وعلى النقيض من ذلك، تتمتع العديد من الاقتصادات الآسيوية بخبرة أكبر في إدارة الأوبئة الفيروسية بعد تعاملها مع عدد من حالات تفشي إنفلونزا الطيور وأنفلونزا الخنازير على مدى العقود القليلة الماضية. وركزت دول مثل الصين وفيتنام على تتبع المخالطين للمساعدة في الحد من انتشار الجائحة وتعتبر عادة أسرع بكثير في فرض عمليات إغلاق محلية عند اكتشاف حالات تفشي جديدة. وقد سمح ذلك للعديد من الاقتصادات الآسيوية بتجنب فرض عمليات إغلاق وطنية صارمة لفترات طويلة مثلما استوجب الوضع في أوروبا والولايات المتحدة. ومع ذلك، قد يكون النجاح في إدارة الجائحة في عام 2020 أحد الأسباب وراء إحراز العديد من الاقتصادات الآسيوية تقدماً بطيئاً في تطعيم سكانها ضد كوفيد-19 (الرسم البياني 3). ومن المرجح أن يحد ذلك من قوة انتعاشها الاقتصادي خلال الفترة المتبقية من العام. وتتعرض الاقتصادات التي تعتمد على السياحة، مثل تايلاند، بشكل خاص لهذه العوامل التي تعرقل تعافيها، وبالتالي فهي تعتمد على استمرار الطلب العالمي القوي على السلع الاستهلاكية التي تنتجها قطاعات التصنيع الموجهة للتصدير.
ونستنتج أن التباين في كيفية استجابة البلدان للجائحة المستمرة، من حيث عمليات الإغلاق وحملات التطعيم، يؤدي إلى اختلاف في توقيت وقوة انتعاشها الاقتصادي. في الواقع، فإن البلدان التي اتخذت نهجاً استباقياً في عمليات الإغلاق والتطعيم تعتبر في وضع أفضل للاستفادة من التعافي القوي في وقت أقرب، في حين تواجه البلدان التي أخرت عمليات الإغلاق أو حملات التطعيم، تحدياً يتمثل في تزايد حالات كوفيد-19 الجديدة. وسيؤدي ذلك إلى تأخر لا مفر منه في تعافيها الاقتصادي بسبب تدني مستويات الثقة وبفعل القيود المفروضة من قبل البلدان الأخرى على السفر الدولي.
يمكنك أيضاً تنزيل نسخة PDF من التقرير عربي و English