بدأ العام الماضي بشكل إيجابي للاقتصاد العالمي. فقد ساد تفاؤل قوي بينما كان النشاط الكلي يمهد الطريق لفترة أخرى من النمو المتسارع. وفي يناير 2020، توقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد العالمي بوتيرة جيدة تبلغ نسبتها 3.4% خلال مجمل العام. ولكن الأوضاع العالمية أخذت منعطفاً خطيراً مع تفشي وباء كوفيد-19.
ونظراً لأن الوباء تسبب في انهيار الطلب والنشاط في الاقتصاد العالمي، فقد خفض صندوق النقد الدولي في أكتوبر توقعاته بشأن النمو في عام 2020 إلى تراجع بنسبة 4.4%، في تحديث سابق لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي. وكان ذلك ضمن ما أسماه الصندوق بأنه "أزمة لا مثيل لها".
لكن الأوضاع تحسنت منذ الربع الثالث من عام 2020 وبدأ صندوق النقد الدولي في تقييم التغييرات في تقريره الأخير حول آفاق الاقتصاد العالمي، اعتباراً من أواخر يناير 2021. وتتلخص التوقعات المعدلة لصندوق النقد الدولي بشأن الاقتصاد العالمي في أربع نقاط.
أولاً، تشير التقديرات إلى أن أداء الاقتصاد العالمي جاء أفضل مما كان متوقعاً في العام الماضي. ففي حين كان صندوق النقد الدولي يتوقع في شهر أكتوبر الماضي تراجع الناتج الإجمالي العالمي بنسبة 4.4% خلال عام 2020، أصبح الصندوق الآن يتوقع حدوث تراجع أقل نسبته 3.5% خلال نفس الفترة. ويُعزى هذا الاختلاف إلى حدوث تعافي أقوى من المتوقع في الاستهلاك الخاص والتأقلم السريع مع إجراءات العمل من المنزل، الأمر الذي عزز الطلب العالمي وخفف القيود المحتملة في جانب العرض. كما تجدر الإشارة إلى أن جميع الاقتصادات الكبرى (الولايات المتحدة ومنطقة اليورو واليابان والصين) تفوقت على التوقعات السابقة في النصف الثاني من عام 2020.
ثانياً، من المتوقع أن يكون النمو العالمي لهذا العام أقوى مما كان متوقعاً في السابق. فوفقاً لصندوق النقد الدولي، من المقرر أن تتسارع وتيرة تعافي الاقتصاد العالمي. في الواقع، رفع صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي هذا العام إلى 5.5% من 5.2% في أكتوبر. وتتمثل الأسباب الرئيسية وراء رفع التوقعات في زيادة التحفيز عبر السياسات المالية والنقدية في الاقتصادات المتقدمة الكبيرة، وتطوير العديد من اللقاحات والعلاجات الفعالة، وجهود احتواء كوفيد-19. وتتفوق التوقعات بشأن إمكانية تعزز النشاط في وقت لاحق من العام بفضل تطوير اللقاحات على التأثير السلبي الحالي على زخم النمو في المدى القريب بسبب ارتفاع عدد حالات الإصابة بكوفيد-19.
ثالثاً، سوف تتباين حالات التعافي عبر البلدان والمناطق، مما ينتج عنه مسار غير متساوٍ للتطبيع الاقتصادي. وتختلف قوة التعافي المتوقع اعتمادًا على شدة الأزمة الصحية، ومدى اضطراب سلسلة التوريد (المرتبط بهيكل الاقتصاد واعتماده على القطاعات كثيفة الاتصال)، ونشر اللقاحات الفعالة، وفعالية الدعم المتأتي من السياسات الاقتصادية للحد من الأضرار المستمرة. وبالنظر إلى برامج التحفيز المالي التي كانت أكبر من المتوقع وفعالية التحصين وسياسات احتواء كوفيد-19، حظيت الولايات المتحدة واليابان بترقيات كبيرة في توقعات النمو الخاصة بهما. لكن، شهدت منطقة اليورو انخفاضاً كبيراً في توقعات النمو لعام 2021، حيث تعاني المنطقة من موجات جديدة حادة من الوباء وتكافح لتأمين الوصول الفوري إلى لقاحات فعالة.
رابعاً، على الرغم من "حالة عدم اليقين الاستثنائية" المحيطة بالتوقعات الأساسية، فإن ميزان المخاطر متكافئ جداً. على الجانب الإيجابي، قد تزيد التوقعات بشأن التخلص السريع من الوباء في ظل تدفق المزيد من الأخبار الإيجابية عن اللقاحات، مما يدعم ثقة الشركات والأسر. على الجانب السلبي، يمكن أن يتراجع النشاط الاقتصادي في حال ثبت صعوبة احتواء الارتفاع في حالات الإصابة بالفيروس (بما في ذلك الإصابات بالسلالة الجديدة من كوفيد-19) قبل أن تتوفر اللقاحات على نطاق واسع، وإذا استمرت الحاجة إلى فرض تدابير التباعد الاجتماعي أو الإغلاق بشكل أقوى وأطول من المتوقع. علاوة على ذلك، فإن التعافي معرض أيضاً لأخطاء السياسات، ولا سيما السحب المبكر للدعم الحكومي في البلدان الرئيسية مثل الولايات المتحدة أو الصين أو منطقة اليورو.
بشكل عام، وعلى الرغم من التحديات قصيرة المدى المرتبطة بالموجات الجديدة من وباء كوفيد-19 وتباطؤ وتيرة التعافي في أوروبا، فقد قدم صندوق النقد الدولي نظرة إيجابية حول الاقتصاد العالمي. كان الأداء الاقتصادي في الآونة الأخيرة أقوى مما كان متوقعاً، وتم رفع توقعات النمو ويبدو أن المخاطر أصبحت "محايدة" وليست مائلة إلى الاتجاه الهبوطي لأول مرة منذ سنوات.
يمكنك أيضاً تنزيل نسخة PDF من التقرير عربي و English