بدأ العام الحالي بهيمنة المعنويات السلبية على بيئة الاقتصاد الكلي العالمي والتوقعات المرتبطة به. على الصعيد النقدي، من المتوقع أن يستمر تشديد السياسات النقدية من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي حتى منتصف هذا العام، حيث لم تنحسر معدلات التضخم بالكامل. أما في الجانب المالي، فقد تراجع الدعم الذي توفره التدابير المرتبطة بالسياسات المالية في الأسواق المتقدمة الرئيسية، وبالتالي فإنه لن يكون محركاً رئيسياً للنشاط الاقتصادي. علاوة على ذلك، تجلب التطورات الجيوسياسية مزيداً من عدم اليقين، وذلك يؤثر أيضاً على الاقتصاد، بدءاً من احتدام المنافسة والتوترات بين الولايات المتحدة والصين، ووصولاً إلى الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا. أخيراً وليس آخراً، أثرت سياسة صفر كوفيد المطبقة في الصين سلباً على النشاط الاقتصادي في ذلك البلد وعلى مستوى العالم في نهاية العام الماضي، وذلك نتيجة لتجدد عمليات الإغلاق جراء الموجات العديدة من تفشي كوفيد-19.
على الرغم من هذه الرياح المعاكسة القوية، أظهرت البيانات الاقتصادية مفاجآت إيجابية خلال الأشهر القليلة الماضية. وتدعم قراءات مؤشر مديري المشتريات الأخيرة هذا التصور. مؤشر مديري المشتريات هو مؤشر قائم على الاستطلاعات يوفر تقييماً لمدى التحسن أو التدهور في النشاط الاقتصادي. ويعمل حاجز الـ 50 نقطة في المؤشر كحد فاصل بين الانحسار (أقل من 50 نقطة) والتوسع (فوق 50 نقطة) في ظروف الأعمال. وتعكس مؤشرات مديري المشتريات المركبة الأوضاع المشتركة في قطاعي التصنيع والخدمات.
في هذه المقالة، نلقي نظرة على أحدث بيانات مؤشر مديري المشتريات في كل من الاقتصادات الرئيسية: منطقة اليورو والولايات المتحدة والصين.
في منطقة اليورو، ظل مؤشر مديري المشتريات العالمي المركب دون عتبة الـ 50 نقطة لستة أشهر متتالية في النصف الثاني من العام الماضي، لكنه دخل أخيراً إلى المنطقة التوسعية في يناير، مع زيادة أخرى في فبراير. وأثبت الاقتصاد الأوروبي أنه أكثر مرونة مما كان متوقعاً على الرغم من الظروف غير المواتية التي سببها الصراع في أوروبا الشرقية وعواقبه الاقتصادية. وشمل ذلك ترشيد استهلاك الطاقة، وارتفاع أسعار الطاقة، وانخفاض الدخل المتاح للإنفاق. لكن العوامل السلبية قوبلت بالدعم المالي المقدم للشركات والأسر المتضررة من أزمة الطاقة، والنشاط الناتج عن إعادة فتح الاقتصادات، وتراجع أسعار الغاز، وفصل الشتاء المعتدل نسبياً.
في الولايات المتحدة، كان الاقتصاد في نهاية عام 2022 أقوى مما كان متوقعاً، مع سوق عمل ضيقة ووفرة في فرص العمل، بينما استمر المستهلكون في الإنفاق من مخزونهم الكبير من المدخرات. على الرغم من أن مؤشر مديري المشتريات المركب سجل سبعة أشهر متتالية في المنطقة الانكماشية، إلا أنه تجاوز حاجز الـ 50 نقطة في فبراير. ويعزز هذا الأمر الأدلة التي تشير إلى أن الاقتصاد الأمريكي لا يزال قوياً وأكثر صموداً عما كان متوقعاً في مواجهة سيناريو الهبوط الحاد.
الصين في طريقها إلى تعافٍ اقتصادي كبير مقارنة بالعام الماضي. وظل النشاط الاقتصادي في الصين ضعيفاً نظراً لحالات الإغلاق، والقيود المفروضة بعد عودة ظهور كوفيد-19، وتشديد اللوائح التنظيمية عبر العديد من القطاعات، وسحب سياسات التحفيز. ونتيجة لذلك، ظل مؤشر مديري المشتريات المركب في المنطقة الانكماشية خلال الأشهر الأربعة الأخيرة من عام 2022. واستجابت السلطات بالتيسير النقدي والمالي، ودعم المشاريع العقارية غير المكتملة لتعويض آثار الانكماش في الاستثمار العقاري. إلى جانب إعادة فتح الاقتصاد، دفعت هذه الإجراءات بمؤشر مديري المشتريات إلى المنطقة التوسعية ومن المتوقع أن يستمر في الارتفاع في عام 2023.
بشكل عام، على الرغم من التباطؤ المتوقع في أداء الاقتصاد العالمي خلال العام الحالي، أثبتت الاقتصادات المتقدمة أنها تتمتع بقدر أكبر من المرونة، في حين يُتوقع أن يسجل النشاط الاقتصادي في الصين انتعاشاً اقتصادياً كبيراً.
يمكنك أيضاً تنزيل نسخة PDF من التقرير
عربي
و
English