كما توقع غالبية المحللين، قام بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة في اجتماعه لشهر سبتمبر بواقع 75 نقطة أساس، مواصلاً بذلك تدابيره القوية لتطبيع السياسة النقدية الأمريكية. وخلال الاجتماع، قدم بنك الاحتياطي الفيدرالي أيضاً التحديث ربع السنوي لتوقعاته بشأن الناتج المحلي الإجمالي والتضخم وأسعار الفائدة. في مقال هذا الأسبوع، سنلقي نظرة على توقعات بنك الاحتياطي الفيدرالي في هذا الخصوص.
أولاً، سنأخذ في الاعتبار النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة قياساً بالناتج المحلي الإجمالي، حيث أجرى بنك الاحتياطي الفيدرالي تعديلاً كبيراً لتوقعاته في هذا الصدد، فقد خفض توقعاته للنمو في العام الحالي إلى 0.2% فقط وإلى 1.2% في عام 2023 (الرسم البياني 1). وهذا يعني أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يقر بوضوح بأن الزيادات الكبيرة التي أجراها في أسعار الفائدة من المرجح أن تدفع الاقتصاد نحو الركود بحلول نهاية عام 2022. بعبارة أخرى، فإن مسؤولي البنك لا يخشون إحداث ركود، إذا كان ذلك ضرورياً للسيطرة على التضخم.
ثانياً، لم يحدث تغير يُذكر في توقعات بنك الاحتياطي الفيدرالي بشأن التضخم (الرسم البياني 2). وهذا أمر لافت بالنظر إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد بدأ في رفع أسعار الفائدة بقوة وقام للتو بتخفيض كبير لتوقعاته بشأن الناتج المحلي الإجمالي. وهذا يفيد بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي يشعر بقلق كبير إزاء حدة واستمرارية ارتفاع التضخم (أي مدى صعوبة خفضه). ومع ذلك، يتوقع غالبية مختصي التنبؤات الاقتصادية أن يظل التضخم مرتفعاً لفترة أطول من توقعات بنك الاحتياطي الفيدرالي. وذلك يشير إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يحتاج إلى رفع أسعار الفائدة بشكل أكثر قوة، ولمدة أطول، للتأكد من أن التضخم سوف يتراجع إلى نسبة 2% المستهدفة.
أخيراً، ننتقل إلى أسعار الفائدة. يُطلق على مزيج انخفاض النمو وارتفاع التضخم الذي لاحظناه اسم الركود التضخمي وهو وضع يصعب على البنوك المركزية التعامل معه. ويجبر الركود التضخمي البنك المركزي الذي يستهدف نسبة محددة للتضخم على رفع أسعار الفائدة بما يكفي للسيطرة على التضخم، وذلك على الرغم من المخاطر على توقعات الناتج المحلي الإجمالي. وبالنظر إلى مستوى التضخم المرتفع للغاية، ليس من المستغرب أن يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي برفع توقعاته لأسعار الفائدة (الرسم البياني 3). يتوقع بنك الاحتياطي الفيدرالي حالياً أن تزيد أسعار الفائدة في نهاية العام بواقع 100 نقطة أساس كاملة عما كانت عليه في يونيو، مع توقعات بأن تتجاوز ذروة أسعار الفائدة 4.5% في عام 2023. ومع ذلك، فإن الأسواق تتوقع أن ترتفع أسعار الفائدة بأكثر من ذلك، مع ذروة متوقعة تزيد عن 5% في عام 2023.
يكمن التأثير المباشر لهذا المسار من أسعار الفائدة المرتفعة للغاية في استمرار تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، وبشكل أكثر حدة مما توقعنا في السابق.ومع ذلك، فإن التأثير على توقعات الناتج المحلي الإجمالي العالمي قد يكون أكثر حدة، حيث ستضطر البنوك المركزية الأجنبية إلى رفع أسعار الفائدة بشكل أكبر وأسرع لتجنب حدوث تراجع مفرط في قيمة عملاتها مقابل الدولار الأمريكي. وسيؤدي هذا الأمر بدوره إلى تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي لديها، وبالتالي انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي مقارنة بتوقعاتنا لعام 2023، والتي تعتبر منخفضة سلفاً.
يمكنك أيضاً تنزيل نسخة PDF من التقرير عربي و English