QNB
QNB

اعتماد التطور التدريجي وليس الثورة في مراجعة إطار السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي

نشر يوم : Sun, 09 June 2019

يمكنك أيضاً تنزيل نسخة PDF من التقرير عربي   و English

يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي حالياً بإجراء عملية مراجعة شاملة لإطار سياسته النقدية. وقد تم الإعلان عن ذلك لأول مرة في نوفمبر 2018، وتهدف هذه المراجعة إلى إشراك مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة وأصحاب المصلحة الآخرين في مناقشة جوانب استراتيجية السياسة النقدية والأدوات وممارسات الاتصال. وبينما يتوقع أن تكون المراجعة شاملة، إلا أن نطاقها سيكون مقيداً بحدود التفويض القانوني الممنوح لبنك الاحتياطي الفيدرالي المتمثل في ضمان أقصى قدر من التوظيف واستقرار الأسعار. والأهم من ذلك هو وجود شرط بأن يكون هدف التضخم طويل الأجل 2.0%، وهو ما يستبعد أي مناقشات حول تغيير مستوى التضخم المستهدف.

تتضمن الطريقة التي ستتم بها مراجعة إطار السياسة النقدية من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي عقد سلسلة من جلسات الاستماع على غرار اجتماعات صالات المدينة (التي يعقدها الساسة مع ناخبيهم) في جميع أنحاء الولايات المتحدة. ويتضمن ذلك المؤتمر الذي استضافه بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو يومي 4 و5 يونيو، حيث التقى مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي مع كبار الخبراء وقادة المجتمع لمناقشة قضايا السياسة النقدية بشكل مفتوح. ومن المتوقع الانتهاء من المراجعة في غضون عام واحد مع نشر تقرير في النصف الأول من عام 2020. وتعد التغييرات المحتملة ذات أهمية قصوى مع ارتفاع سقف التوقعات للوصول إلى أفكار مبتكرة، حيث أن الإطار الحالي هو نتيجة عقود من التعلم والصقل.

إنَ الإطار الحالي هو استراتيجية تجسد "مرونة التضخم المستهدف" ولا ينبغي فيها أن ينحرف التضخم عن 2.0%، كما يجب أن يكون معدل التوظيف في حدود مستواه الأقصى، والذي يقدر حدوثه حالياً عندما يقل معدل البطالة عن 4.3%. كما أن الأداة الرئيسية للسياسة النقدية هي النطاق المستهدف لسعر الأموال الفيدرالية. تحت هذا الإطار، يكون التضخم المستهدف مستقبلي المنحى، والهدف الرئيسي هو تشكيل توقعات التضخم بما ينسجم مع رؤية البنك الفيدرالي. ويكون ردَ بنك الاحتياطي الفيدرالي على الانحرافات المهمة في التضخم أو التوظيف بإجراء تغييرات في أسعار الفائدة. ففترات الانكماش، أو انخفاض النمو، أو ارتفاع معدلات البطالة تستدعي خفض أسعار الفائدة، بينما تتطلب فترات التوسع وارتفاع معدلات التضخم أن يتم رفع أسعار الفائدة. وعلى الرغم من نجاح السياسة النقدية الحالية خلال العقود التي سبقت انهيار بنك ليمان براذرز في عام 2008، إلا أن هناك ثلاثة عوامل تدفع حالياً لإجراء مراجعات مستمرة لإطار السياسة النقدية للولايات المتحدة.

أولاً، تؤدي التغييرات الهيكلية طويلة الأجل (شيخوخة السكان، وتزايد السلوك غير الراغب في المخاطرة، وتباطؤ نمو الإنتاجية) إلى تخمة رأس المال الذي يدفع أسعار الفائدة المحايدة إلى الانخفاض. هذا الأمر يهدد فعالية إطار السياسة النقدية الحالي، مما يثير المخاوف بشأن احتمال حدوث فخ انكماشي، أي حلقة مستمرة من ردود فعل انخفاضات أسعار الفائدة، ومحدودية الحيز المتاح للسياسة النقدية، وركود أعمق وأطول، والانخفاض المستمر للتضخم. في الواقع، فإن انخفاض سعر الفائدة المحايد يقلل من مساحة تخفيض أسعار الفائدة في فترات الركود المستقبلية. بالنظر إلى أن أسعار الفائدة الاسمية لا يمكن أن تقل كثيراً عن الحد الأدنى الصفري (ZLB)، فإن انخفاض أسعار الفائدة يحد من "ذخيرة السياسة النقدية"، مما يقيد قدرة بنك الاحتياطي الفيدرالي على مواجهة التراجع في المستقبل. وفي حين لجأت السلطات النقدية تاريخياً إلى خفض أسعار الفائدة بنحو 500 نقطة أساس خلال فترات الركود في الولايات المتحدة، فإن "الذخيرة" الحالية تبلغ حوالي 225 نقطة أساس.

AR Chart

ثانياً، الحاجة إلى القيام رسمياً بمراجعة وتقييم إمكانية استخدام أدوات غير تقليدية للسياسة النقدية، وخاصة الأدوات غير العادية التي تم استخدامها لمواجهة الأزمة المالية العالمية والركود الكبير. ويشمل ذلك كلاً من التيسير الكمي (التيسير الكمي أو شراء الأصول على نطاق واسع) والتوجيه الأمامي (رسائل البنك المركزي حول المسار المستقبلي المحتمل لأسعار الفائدة). ومع بدء "تطبيع" السياسة النقدية للولايات المتحدة " بعد عام 2015، أصبحت أدوار الأدوات غير التقليدية في صنع السياسة النقدية فالمستقبلية أكثر عرضة للشكوك.

ثالثًا، التوقيت الحالي مناسب لإجراء مراجعة شاملة، حيث يقترب بنك الاحتياطي الفيدرالي من تحقيق هدفي التوظيف الكامل واستقرار الأسعار، على الرغم من الموجة الأخيرة من تجنب المخاطر بسبب احتدام النزاعات التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها الرئيسيين. وتقترب مقاييس مختلفة للبطالة من أدنى مستوياتها في عدة عقود، في حين يقترب معدل التضخم وتوقعات التضخم حالياً من مستوى 2.0%. وذلك يخلق بيئة مثالية لإجراء نقاش مفتوح حول إطار السياسة النقدية.

وما زال الوقت مبكراً لفهم النتيجة المحتملة لمراجعة إطار العمل الخاص ببنك الاحتياطي الفيدرالي. لكن المناقشات والتعليقات الحالية لمسؤولي البنك تشير إلى أن عملية المراجعة ستفضي إلى "تطور وليس ثورة" في مجال إعداد السياسة النقدية الأمريكية. وفيما يتعلق بالاستراتيجية، فإن السيناريو الأكثر احتمالاً هو استبدال "الهدف المرن للتضخم" بـ "نهج التعويض". والفرق الرئيسي بين الاستراتيجيتين هو ما إذا كانت متطلبات الماضي ستكون مؤشراً لقرارات المستقبل أم لا. ويركز "الهدف المرن للتضخم" على استشراف المستقبل وبالتالي لا يعتبر الماضي مرجعاً للمستقبل، أي أن الماضي يصبح ماضياً. أما "نهج التعويض" فيعتبر الماضي مرجعاً للمستقبل ويعمل على تعويض الانحرافات السابقة عن المعدل المستهدف في المستقبل، أي أن فترات انخفاض التضخم يجب أن تتبعها فترات من ارتفاع التضخم والعكس بالعكس. بعبارة أخرى، يتطلب "نهج التعويض" تحقيق المعدل المستهدف للتضخم على مدار عدة سنوات. وبالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن تدمج عملية المراجعة تدابير غير تقليدية، مثل التسهيل الكمي والتوجيهات المستقبلية، ضمن مجموعة الأدوات الدائمة لبنك الاحتياطي الفيدرالي.

إجمالاً، تعتبر مراجعة إطار بنك الاحتياطي الفيدرالي تطوراً إيجابياً. وفي حال تم اعتماد شكل من أشكال "نهج التعويض"، سيتم رفع المعدل المستهدف للتضخم خلال فترات التوسع الاقتصادي، مما يحول دون الرفع المبكر لأسعار الفائدة. ولكن، مع استمرار هذه الدورة، سيكون من الضروري رفع أسعار الفائدة لجعل الأسعار تستقر مجدداً باتجاه نسبة 2.0% المستهدفة. وسيكون ذلك مصحوباً بمجموعة أوسع من الأدوات الدائمة لزيادة حيز السياسة النقدية، وهو ما سيوفر بالنتيجة حاجزاً أنسب ضد الصدمات السلبية أو الانتكاسات الاقتصادية الحادة.