سوف يكون الثالث من نوفمبر القادم يوماً مهماً في الولايات المتحدة الأمريكية هذا العام، فهو يتزامن مع موعد إجراء الانتخابات الأمريكية، وهو تاريخ بالغ الأهمية يختار فيه الأمريكيون قادتهم الرئيسيين، بما في ذلك جميع شاغلي مقاعد مجلس النواب الأمريكي البالغ عددها 435 مقعداً، وشاغلي 35 مقعداً من أصل 100 في مجلس الشيوخ الأمريكي، إلى جانب اختيار الرئيس القادم للولايات المتحدة. وفي حين أن اختيار مجموعة القوى السياسية الحاكمة ضروري لتحديد وجهة للبلاد، فإن اختيار المرشح الرئاسي "في صميم" التوجه الذي ستسلكه البلاد مستقبلاً. ولذلك فإن السباق الرئاسي يجتذب بطبيعة الحال الكثير من الاهتمام والمشاعر، خاصة في الظروف الحالية التي تتسم بتزايد الاستقطاب السياسي والتوترات في البلاد.
يقود الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب الجمهوريين في سعيه للفوز بولاية ثانية، بينما يتزعم جوزيف ("جو") بايدن الديمقراطيين في السباق ضد الرئيس الحالي. جو بايدن هو سياسي مخضرم عمل كنائب للرئيس في عهد باراك أوباما وشغل منصب عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ديلاوير لعقود. لدى ترامب وبايدن وجهات نظر وآراء ومقترحات سياسية مختلفة للولايات المتحدة حول عدد من القضايا. ويتعمق تحليلنا في الاختلافات بينهما، لا سيما في الموضوعات الرئيسية للسياسة المالية وتنظيم الأعمال والعلاقات الخارجية.
وإذا بدأنا بالسياسة المالية، فإن كل من ترامب وبايدن يعتبران من المؤيدين البارزين لزيادة التحفيز وتدابير التيسير في الموازنة. في الواقع، بعد استنفاد أدوات السياسة النقدية التقليدية (أسعار الفائدة و- إلى حد ما- التيسير الكمي) أصبحت السياسة المالية هي المحرك الرئيسي للطلب الكلي، لا سيما منذ تفشي وباء كوفيد-19. ويدرك الجمهوريون والديمقراطيون على حد سواء أن الركود الذي أحدثه هذا الوباء يتطلب جرعات كبيرة من التحفيز المالي. ومع ذلك، فإن خططهم لهذا التحفيز تختلف بشكل كبير. فالرئيس ترامب من مؤيدي "نظرية الأثر الانتشاري"، أي فكرة أن تأثير خفض ضرائب الشركات والأفراد سينتقل إلى بقية الاقتصاد. وبالتالي، فإن ترامب يدافع عن إجراء جولات جديدة من التحفيز من خلال التخفيضات الضريبية. وبعد قانون التخفيض الضريبي والوظائف لعام 2017، الذي خفض ضرائب الدخل، يقترح ترامب الآن تخفيض نسبة ضريبة الأرباح الرأسمالية وإطلاق إجراءات من شأنها أن تسمح للشركات بخصم المزيد من تكاليف الاستثمار من الضرائب. وأيضاً فيما يتعلق بالإنفاق، فإن ترامب يدعم تقديم التمويل الطارئ للمواطنين المتضررين من صدمة كوفيد- 19، بينما تميل خططه طويلة الأجل أكثر نحو استثمارات عامة أكبر حجماً في البنية التحتية الأمريكية.
من ناحية أخرى، يتعهد بايدن من خلال مقترحاته للسياسة المالية بزيادة جانب الإنفاق بشكل كبير، لا سيما الاستثمارات الاجتماعية المرتبطة بالاستحقاقات والتعليم والرعاية الصحية. من المقرر أن يتم توفير التمويل جزئيًا من خلال ضرائب إضافية، حيث يقترح بايدن زيادة الضرائب وتقليل مزايا دافعي الضرائب ذوي الدخل المرتفع.
فيما يتعلق باللوائح التنظيمية الخاصة بالأعمال التجارية، فإن أوجه الاختلافات الحزبية كثيرة. يميل ترامب والجمهوريون إلى اتباع أجندة سياسة عدم التدخل المؤيدة للأعمال التجارية ("السماح بالمرور") التي تتميز بالتدخل الحكومي المحدود، بهدف تحفيز الكفاءة والنشاط الاقتصادي والوظائف. بينما يميل بايدن والديمقراطيون إلى اعتماد لوائح تنظيمية حكومية أكثر صرامة على "الشركات الكبرى"، وتفضيل حقوق المستهلكين ومبادئ مكافحة الاحتكار والمخاوف البيئية على مصالح الشركات. في حين أن هذه الاختلافات فلسفية أو أيديولوجية بطبيعتها، فإن لها انعكاسات في الحياة الواقعية، لا سيما في قطاعات مثل التكنولوجيا والطاقة، وفيما يتعلق بالمسائل المرتبطة بقضايا البيئة والمجتمع والحوكمة. وتعتبر المسائل ذات الصلة بهذه القضايا، فيما يتعلق بمعالجة جهود الاستدامة ذات الأهمية على المدى الطويل، محركاً أساسياً لحملة بايدن الانتخابية. ومن ثم فهو يقترح اتباع اتجاه مماثل للتحركات التي سادت مؤخراً على القرارات السياسية في أوروبا والتي لا تحظى بالأولوية عند الجمهوريين.
أخيراً وليس آخراً، قدم ترامب وبايدن أيضاً أجندات مختلفة بشأن السياسة الخارجية. ويحرص ترامب على الاستمرار في سياسة "أمريكا أولاً" في تعاملاته، مع التركيز على المفاوضات التجارية التي من شأنها أن تساهم في إعادة الأنشطة الاقتصادية من الخارج إلى الولايات المتحدة وكذلك على الاستخدام الأحادي الجانب للموارد الاقتصادية للبلاد لتحقيق أهداف السياسة الخارجية. ويشير بايدن إلى العودة إلى مواقف تقليدية بدرجة أكبر في السياسة الخارجية، حيث يهدف إلى العودة إلى الانخراط أكثر في المنظمات الدولية والشراكات التي تعتمد بشكل أقل على المعاملات (أي "قائمة على القيمة") مع الحلفاء الغربيين الرئيسيين.
وعلى الرغم من الاختلافات في الأسلوب أو حتى المناهج بين ترامب وبايدن، فمن المرجح أن يستمر التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين بصرف النظر عن الإدارة الأمريكية المستقبلية. هذه "المنافسة بين القوى العظمى" مدفوعة أكثر بالتغييرات طويلة المدى في كل من المجتمعين الأمريكي والصيني أكثر من كونها مدفوعة بشخصيات معينة أو قادة أو أجندات سياسية قصيرة المدى. وعلى الرغم من ذلك، يخطط بايدن للانسحاب من التوترات السياسية المرتبطة بالتجارة بين الولايات المتحدة وأوروبا.
بشكل عام، من المقرر أن تمثل الانتخابات الأمريكية أحد أهم الأحداث السياسية هذا العام. وبغض النظر عن نتائج الانتخابات الرئاسية، نعتقد أن الولايات المتحدة في وضع يمكنها من أن تظل قوةً اقتصاديةً تحفز التكنولوجيا والابتكار في جميع أنحاء العالم.
يمكنك أيضاً تنزيل نسخة PDF من التقرير عربي و English