QNB

الصين في طريقها لتحقيق انتعاش اقتصادي تدريجي

نشر يوم : Sat, 30 May 2020

يُشار إلى الصين عادةً بأنها محرك هائل للنمو الاقتصادي. في الواقع، منذ الأزمة المالية العالمية في 2008-2009 ولغاية العام الماضي، ساهمت الصين بنسبة 42% في إجمالي النمو الاقتصادي العالمي. وفي عام 2019 وحده، أضاف النمو في الصين للاقتصاد العالمي مبلغاً يعادل الناتج المحلي الإجمالي لسويسرا أو ما يزيد على 700 مليار دولار أمريكي. كما تجدر الإشارة إلى أن تزايد الطلب الكلي في الصين كان له تأثير داعم كبير امتد إلى أسعار السلع الأساسية والأسواق الناشئة والاقتصادات المفتوحة الأخرى.

وسيعتمد حجم ومدى الانتعاش الاقتصادي في فترة ما بعد كوفيد-19 إلى حد كبير على الأداء الاقتصادي للصين. وبالتالي، يراقب المستثمرون وصانعو السياسات باستمرار علامات القوة أو الضعف الصادرة عن هذا العملاق الآسيوي. وهذا بدوره يطرح السؤالين التاليين: مع تجاوز الصين لذروة انتشار الوباء وشروعها في إلغاء تدابير التباعد الاجتماعي الشاملة، كيف يسير أداء اقتصادها؟ وماذا يمكن أن نتوقع في المرحلة القادمة؟

QNB

في وقت كتابة هذا التقرير، تشهد الصين انتعاشاً اقتصادياً مؤقتاً، بعد تراجع حاد في الربع الأول من عام 2020، عندما انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.8% على أساس سنوي. وتشير المؤشرات الرئيسية المتزامنة إلى استقرار كبير في كل من الإنتاج والطلب. فقد تعافى مؤشر كايشين لمدراء مشتريات قطاع التصنيع إلى 47.6 نقطة في أبريل من الهبوط القياسي الذي بلغ 27.5 نقطة في فبراير. وعلى الرغم من أن مؤشر مدراء المشتريات المركب لا يزال في منطقة التراجع، إلا أنه يقترب من حاجز الـ 50 نقطة الذي يفصل عادةً بين منطقتي التراجع والارتفاع. وبالمثل، حقق الإنتاج الصناعي نمواً بنسبة 3.9% على أساس سنوي في أبريل من التراجع الذي بلغت نسبته 13.6% على أساس سنوي في فبراير. كما استقرت مبيعات التجزئة، وهي مقياس للاقتصاد الاستهلاكي في الصين، في شهر أبريل، حيث تراجعت بنسبة 5.3% فقط على أساس سنوي مقابل هبوط بنسبة 38.9% في فبراير. علاوة على ذلك، ارتفع نمو الائتمان وزاد حجم حركة المرور على الطرقات السريعة الرئيسية خلال ساعات العمل وأوقات الذروة إلى المستويات الطبيعية.

وبالرغم من أن مؤشرات التعافي الاقتصادي في الصين مشجعة وتعد داعمة لأسس الاقتصاد الكلي العالمي، تشير ثلاثة عوامل إلى أن الانتعاش الاقتصادي في البلاد سيكون تدريجياً وليس سريعاً على شكل حرف "V".

أولاً، في جانب العرض، تشير بيانات النشاط إلى تراكم كميات كبيرة من المخزون بسرعة على مدار الأشهر القليلة الماضية. فقد ارتفع المخزون الصناعي للمنتجات النهائية بنسبة 15% على أساس سنوي في الربع الأول من 2020 من 2% على أساس سنوي في الربع السابق. ونتيجة لذلك، ستكون هناك حاجة إلى سحب المخزون الحالي قبل حدوث مرحلة أكثر استدامة في نمو الأعمال. ويتجلى الضعف المتبقي في القطاع الصناعي أيضًا في انخفاض القيمة الإجمالية للصادرات من المصنعين الآسيويين الرئيسيين إلى الصين. ونظراً لطبيعة سلاسل التوريد الإقليمية، فإن انتعاش تصنيع المواد سيقوده انتعاش الواردات الإقليمية الصينية.

QNB

ثانياً، في جانب الطلب، من المقرر أن يؤدي انخفاض الدخل المتاح للإنفاق لدى الأسر واستمرار التغييرات السلوكية للأفراد إلى وضع سقف على نمو الاستهلاك. فمن المتوقع أن تؤدي خسائر الدخل من الربع الأول بالإضافة إلى ارتفاع مستويات البطالة إلى زيادة ميل الأسر الصينية إلى الادخار. علاوة على ذلك، فإن نزوع الأفراد للحفاظ على المسافة الاجتماعية لفترة أطول سيمنع المستهلكين من القيام بالأنشطة الترفيهية. وسيستمر هذا في التأثير على قطاعات الخدمات ذات التعامل المباشر مع المستهلكين مثل أماكن الإقامة والمطاعم والسياحة ومحلات التجزئة. كما أن أحجام حركة المرور على الطرق السريعة خارج ساعات العمل لا تزال منخفضة بشكل كبير عن المستويات العادية في جميع أنحاء الصين. وذلك ليس مستغرباً، فبيانات مؤشر مديري المشتريات في قطاع الخدمات لا تزال تشير إلى مستويات منخفضة من النشاط في الشركات ذات الصلة بالاستهلاك.

ثالثًا، على الصعيد الخارجي، يؤدي ضعف الطلب العالمي بسبب جائحة كوفيد- 19 واستمرار حالة عدم اليقين بشأن العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة إلى المزيد من العقبات. ومن المرجح أن تكون قناة دفع النمو عبر التصدير مغلقةً بشكل مؤقت أمام الصين حتى تبدأ جميع الاقتصادات الرئيسية في التعافي والانفتاح. علاوة على ذلك، فإن الشكوك العالمية والصراعات مع الولايات المتحدة تثير الحذر في بكين. وبالتالي، تريد الحكومة الصينية أن تكون حكيمة وأن توفر المجال للسياسية النقدية/ التحفيز في حالة تعثر المفاوضات الثنائية أو حدوث صدمات خارجية.

وبشكل عام، من شأن التعافي الصيني أن يستمر، ولكن المعيقات المتبقية ستمنع على الأرجح من تحقيق الانتعاش السريع المطلوب. لكن على الرغم من حجم الصدمة وجميع عواقبها، بدأ الاقتصاد الصيني يظهر بالفعل علامات الانتعاش. ولا يزال من المتوقع أن يؤدي الارتفاع التدريجي في الطلب المحلي إلى تحقيق نمو إيجابي يبلغ حوالي 1.5% على أساس سنوي في عام 2020.

يمكنك أيضاً تنزيل نسخة PDF من التقرير   عربي و English