لقد كتبنا كثيراً فيما سبق عن التوترات التجارية، والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين على وجه الخصوص. وكان تفاؤلنا في مطلع العام الماضي قد تحول إلى تشاؤم مع تصاعد التوترات خلال الصيف حين صنفت الولايات المتحدة الصين بأنها دولة " تتلاعب بالعملة".
سلطت الأضواء لأول مرة على التقدم الذي أحرز باتجاه اتفاق "المرحلة الأولى" في أوائل أكتوبر عندما ألغت الولايات المتحدة زيادة مقررة في التعريفات الجمركية مقابل التزام الصين بشراء المزيد من البضائع، والسلع الزراعية الأمريكية على وجه الخصوص. وتم إحراز مزيد من التقدم في ديسمبر، عندما ألغت الولايات المتحدة زيادة أخرى كان مخططاً لها في التعريفات وخفضت بعضها من 15 % إلى 7.5 %. وفي الآونة الأخيرة، في 13 يناير، أزالت الولايات المتحدة تصنيف دولة "تتلاعب بالعملة" عن الصين قبل التوقيع الرسمي على المرحلة الأولى في 15 يناير.
تجري وزارة الخزانة الأمريكية مراجعة نصف سنوية "لسياسات الاقتصاد الكلي وسعر صرف النقد الأجنبي للشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة". وتعتمد هذه المراجعة على ثلاثة معايير "للنظر فيما إذا كانت البلدان تتلاعب بسعر الصرف بين عملتها والدولار الأمريكي لمنع حدوث تسوية فعالة في ميزان المدفوعات أو للحصول على ميزة تنافسية غير عادلة في التجارة الدولية."
في هذا المقال، سنستعرض المعايير الثلاثة التي ذكرناها آنفاً، ونضع تقدم الصين في استيفاء هذه المعايير في السياق من خلال النظر في كيفية تطورها مع مرور الوقت.
المعيار الأول هو ما إذا كان لدى البلد فائض تجاري كبير في التبادل الثنائي للسلع مع الولايات المتحدة. وقد ذكرت الولايات المتحدة أن الصين لديها فائض في تجارة السلع مع الولايات المتحدة بقيمة 401 مليار دولار في 12 شهراً حتى يونيو 2019. وهذا يعادل أربعة أضعاف فائض المكسيك الذي يعتبر أعلى فائض بعد الصين (انظر الرسم البياني 1). كما أنه يتجاوز بشكل واضح عتبة 20 مليار دولار التي حددتها وزارة الخزانة الأمريكية.
المعيار الثاني هو وجود فائض كبير في الحساب الجاري. اتسع فائض الحساب الجاري للصين من 0.4% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2018 إلى 1.2% من الناتج المحلي الإجمالي (88 مليار دولار أمريكي) في النصف الأول من عام 2019 (انظر الرسم البياني 2). وأدى تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني إلى انخفاض واردات السلع والخدمات، وخاصة السياحة الخارجية. في المقابل، ظلت صادرات السلع الصينية ثابتة، مما أدى إلى زيادة فائض السلع على الرغم من استمرار العجز في الخدمات. وعلى الرغم من اتساع فائض السلع، يظل فائض الحساب الجاري الصيني أقل من عتبة 2% التي حددتها وزارة الخزانة الأمريكية.
المعيار الثالث هو ما إذا كان البلد ينخرط باستمرار في عمليات تدخل من جانب واحد في سوق صرف العملات الأجنبية. لا تنشر الصين أي بيانات عن التدخل في سوق الصرف الأجنبي وتدير سعر الصرف باستخدام مجموعة من الأدوات. ومع ذلك، ظلت احتياطيات النقد الأجنبي الصينية عموماً دون تغيير عند حوالي 3.1 تريليون دولار أمريكي (انظر الرسم البياني 3). ولذلك، ترى الولايات المتحدة أن الصين "امتنعت عن التدخل" في سوق الصرف خلال العام الماضي.
في الختام، يمكن القول بأن الصينيين ظلوا حريصين على عدم التدخل في سوق الصرف وتخفيض قيمة الرنمينبي (الرسم البياني 3)، مما سمح بتراجع الفائض التجاري للصين مع الولايات المتحدة (الرسم البياني 1)، على الرغم من ارتفاع فائض الحساب الجاري الصيني (الرسم البياني 2). وبأخذ كافة المعايير مجتمعة، نجد أن الصين تلبي معياراً واحداً فقط من معايير الولايات المتحدة، وهو ما سمح للولايات المتحدة بإسقاط صفة "متلاعب بالعملة" عن الصين قبل التوقيع الرسمي على اتفاق المرحلة الأولى المقرر في 15 يناير.
يبدو أن التأثير السلبي للحرب التجارية بين أمريكا والصين على النمو العالمي بدأ في التراجع، ونلاحظ ذلك من خلال التقدم في الاتفاق الاولي. لذلك، فقد تغير تقييمنا لميزان المخاطر على التوقعات الاقتصادية العالمية. هذا لا يعني أن مخاطر الهبوط قد تلاشت، بل نقدر أن من المرجح أن يكون نمو إجمالي الناتج المحلي العالمي أعلى قليلاً من السيناريو الأساسي، وليس أقل منه بقليل. قبل اتفاق المرحلة الأولى، كان رأينا أن النمو سيكون على الأرجح أقل بقليل من السيناريو الأساسي وليس أعلى منه قليلاً.
يمكنك أيضاً تنزيل نسخة PDF من التقرير عربي و English