يمكنك أيضاً تنزيل نسخة PDF من التقرير عربي و English
لن يكون واقع الاقتصاد العالمي كله سيئاً في عام 2019. فمن المتوقع أن تحقق الأسواق الناشئة، خاصة في مجال أسعار صرف العملات الأجنبية، أداءً أفضل من العام الماضي، بالرغم من التقارير العالمية السلبية مثل ضعف البيانات الدورية، وتقلب مزاج المستثمرين، ومحدودية فرص ارتفاع أسعار السلع. وفي الواقع، استقرت عملات الاقتصادات الناشئة الرئيسية منذ سبتمبر 2018 وبدأت تتعافى من المستويات المتدنية التي كانت عليها في الآونة الأخيرة.
في مثل هذا الوقت من العام الماضي، وصلت عملات الأسواق الناشئة إلى أعلى مستوياتها في 30 شهراً، حيث كان الاقتصاد العالمي لا يزال في مزاج لقبول المخاطرة بعض الشيء. في ذلك الوقت، كان يسود تفاؤل عام حيال الانتعاش الدوري المتزامن للنمو على المدى الطويل. لكن ساءت الأمور في الأسواق الناشئة لاحقاً مع تشدّد الظروف المالية العالمية التي صاحبت تصاعد المخاطر السياسية وضعف الأداء الاقتصادي في منطقة اليورو واليابان. وحتى الصين، التي كانت جزءاً أساسياً من الانتعاش في الأسواق الناشئة لعام 2017، بدأت في التباطؤ مع تضاؤل دعم السياسات المحلية وتسبب التوترات التجارية مع الولايات المتحدة في إضعاف الأعمال التجارية وثقة المستهلك.
وفي الفترة من فبراير إلى سبتمبر 2018، عندما بلغت تدفقات المحافظ غير المقيمة الخارجة من الأسواق الناشئة، باستثناء الصين، 44 مليار دولار، تراجعت عملات العديد من الاقتصادات الناشئة الرئيسية. وانخفض مؤشر جيه بي مورغان لعملات الأسواق الناشئة، والذي يتتبع حركة عملات عشرة اقتصادات ناشئة رئيسية مقابل الدولار الأمريكي، بأكثر من 16%، مسجلاً مستويات قياسية من التدني منذ إنشاء المؤشر في 2010. ولكن بعد ذلك استقر المؤشر بشكل ملحوظ، بل استفاد من ارتداد جزئي بنسبة 4.8%. وقد ساعدت أربعة أسباب رئيسية في دعم عملات الأسواق الناشئة.
أولاً، إعادة تسعير حادة لأسعار الفائدة في الولايات المتحدة بعد فترة سبتمبر- أكتوبر، عندما كانت عائدات سندات الخزينة الأمريكية لأجل 10 سنوات تفوق مستوى 3.0% بشكل مريح. عائدات سندات الخزينة الأمريكية لأجل 10 سنوات هي الآن أقل من مستوى الذروة بمقدار يتراوح بين 40 إلى 50 نقطة أساس، رغم مواصلة بنك الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة في سبتمبر وديسمبر. ويساهم تراجع الطلب والتصحيحات في أسواق الأسهم والمؤشرات على توقف مرتقب لدورة تطبيع السياسة النقدية من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي في دفع العائدات للانخفاض. ومع تراجع العائدات في الولايات المتحدة، الأمر الذي يجعل أصول الدخل الثابت الأمريكية أقل استقطاباً للمستثمرين، تصبح أصول الأسواق الناشئة أكثر جاذبية، مما يحول اتجاه تدفق رؤوس الأموال نحو الأسواق الناشئة، أو يحد من هروبها من هذه الأسواق.
ثانياً، التطورات الإيجابية في المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين التي تقلل من المخاوف بشأن المخاطر وتأتي لصالح الاقتصادات المفتوحة والمصدرين الرئيسيين للصين. وقد خفت التوترات التجارية بشكل كبير منذ بداية ديسمبر، بعد اجتماع الرئيسين الأمريكي والصيني على هامش قمة العشرين في بوينس آيرس، عندما تم الاتفاق على وضع هدنة لمدة 90 يوماً أمام فرض تعريفات إضافية على ما يبلغ 260 مليار دولار من الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة. وكان ارتفاع الخلافات التجارية وزيادة توتر العلاقة الأمريكية-الصينية جزءاً هاماً من موجات الشعور بالمخاطر مؤخراً. وتشكل الاضطرابات في التجارة العالمية أو في نمو الصين تهديداً للأسواق الناشئة، وتحديداً تلك التي تمثل حصة مرتفعة من الصادرات.
ثالثاً، الاستقرار والتحسن في أسعار السلع الأساسية يعزز الحسابات الخارجية للاقتصادات الناشئة المصدرة للسلع الأساسية. فبعد تراجعها بنسبة 10-20% منذ ذروتها الأخيرة في أبريل ‒ مايو 2018، استقرت أسعار المعادن وارتفعت أسعار السلع الزراعية بنسبة 6% من المستويات المتدنية التي بلغتها في سبتمبر. وفي ذات السياق ولكن في توقيت مختلف، تراجعت أسعار خام برنت بأكثر من 40% منذ مطلع أكتوبر، ثم ارتفعت بنسبة 22% منذ أواخر ديسمبر 2018. ويوفر ذلك دعماً كبيراً للعملات التي يتم بها التعامل في السلع بالأسواق الناشئة، فهو يزيد الطلب على العملات المحلية.
رابعاً، اعتدلت قيمة الدولار الأمريكي بعد ارتفاعها على نحو كبير، وهو ما يبشر بالخير للأسواق الناشئة. وكانت قيمة الدولار الأمريكي قد ارتفعت بنسبة 4.3% في عام 2018 مقابل سلة عملات مؤشر الدولار الأمريكي (DYX) للاقتصادات المتقدمة، وحدثت طفرة كبيرة في قيمة الدولار في الفترة بين أبريل ومايو 2018، ثم بدأ مؤشر الدولار الأمريكي يتحرك في نطاق أضيق. ومنذ الذروة التي بلغها في نوفمبر، هبط الدولار الأمريكي بنسبة 1.3% مقابل سلة مؤشر الدولار الأمريكي. وفي العادة، يؤدي ارتفاع أو تعزز قيمة الدولار الأمريكي إلى جذب رؤوس الأموال إلى الأصول الأمريكية، بينما يعمل ضعف أو تراجع قيمة الدولار الأمريكي إلى دفع رؤوس الأموال إلى الأصول غير الأمريكية، بما فيها أصول الأسواق الناشئة.
بالرغم من أن الاتجاهات الأخيرة كانت في معظمها إيجابية بالنسبة للأسواق الناشئة، كما كان توازن المخاطر آخذاً في التحسن، إلا أنه لا يمكن تجاهل المخاطر الماثلة. وتشمل المخاطر الرئيسية: مسار السياسة النقدية الأمريكية، ومحادثات التجارة، وتباطؤ النمو في الصين. فبإمكان هذه المخاطر أن تعمل بطرق مختلفة ومن خلال قنوات عديدة على خلق نوبة جديدة من التغيرات المفاجئة في تدفقات رؤوس الأموال والتسبب في انخفاض قيمة العملات الأجنبية أو حتى خلق أزمة عملات، خاصة في الأسواق الناشئة ذات مستويات الديون المرتفعة والمتصاعدة. وبعبارة أخرى، فإنه بالرغم من أن البيئة الخلفية أفضل لهذه الدول، إلا أن الأسواق الناشئة لم تخرج بعد من النفق.
.