QNB

أفق ملبد بالغيوم للمصدرين الآسيويين الرئيسيين

نشر يوم : Sun, 20 Jan 2019

يمكنك أيضاً تنزيل نسخة PDF من التقرير  عربي و English

الأخبار السيئة تنتشر بسرعة ولمسافات بعيدة. وقد شهدنا في الآونة الأخيرة امتداد تأثيرات ضعف الطلب في الاقتصادات الكبرى والناشئة (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان والصين) إلى أنحاء أخرى من العالم. وعلى الرغم من التطورات الإيجابية في المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين والرسائل المشجعة من بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، إلا أن الاقتصادات الصغيرة المفتوحة في آسيا ظلت تصارع مشكلة ضعف الطلب. يتطرق تحليلنا إلى الأسباب الرئيسية وراء بيانات بطء الأداء الواردة من المصدرين الآسيويين الرئيسيين، وهم كوريا الجنوبية وتايوان وتايلاند وماليزيا وسنغافورة، والتي نشير إليها هنا بشكل إجمالي باسم "المصدرين الآسيويين الرئيسيين".

تشير البيانات المبكرة من داخل مجموعة المصدرين الآسيويين الرئيسيين إلى مزيد من الضعف في النمو العالمي والإقليمي. فعلى مدى الأشهر الماضية، كانت الاستطلاعات التجارية وبيانات الصادرات تتجه نحو الانخفاض في المنطقة الآسيوية. فقد انخفضت مؤشرات مديري المشتريات الصناعية بمعدلات تتراوح بين 1.5 و4.7 في جميع الدول الآسيوية المصدرة الرئيسية باستثناء تايلاند التي كان فيها مؤشر مديري المشتريات الصناعي مستقراً لحد كبير عند مستوى 50 المحايد. وعلى نحو مثير للقلق، كانت سنغافورة الدولة الوحيدة التي قدمت بيانات إيجابية لمؤشر مديري المشتريات الصناعية (فوق 50)، بالرغم من أنه لا يمكن وصف القراءة الأخيرة البالغة 51.1 بأنها قوية.

كما يتراجع قطاع التصدير في مجموعة البلدان المذكورة، مع تباطؤ نمو الصادرات إلى 1.9% على أساس سنوي في نوفمبر 2018 بعد عدة أشهر متتالية من نمو سنوي قوي برقمين عشريين. ويتوقع تباطؤ الزخم أكثر، حيث شهدت كل من كوريا الجنوبية وتايوان- وهما من الدول الأولى التي أصدرت بياناتها حول التجارة- تقلص إجمالي صادراتها بنسبة 1.2% و 2.6% على التوالي على أساس سنوي في ديسمبر 2018.

هناك أربعة أسباب تسهم في ضعف الأداء لدى المصدرين الآسيويين الرئيسيين.

أولاً، يتباطأ النمو العالمي مدفوعاً بتباطؤ النمو في اقتصادات الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي واليابان والصين. وعلى نحو هام، فإن الاقتصاد الأمريكي، الذي ازدهر في 2018 بفضل حزمة تحفيزات مالية قوية، يتباطأ حالياً بشكل تدريجي مع تشدد الأوضاع المالية وتلاشي تأثير التحفيز المالي. وعادة ما يتماهى المصدرون الآسيويون الرئيسيون، الذين يعتمدون بشدة على الصادرات والطلب الخارجي، مع اتجاه الاقتصاد العالمي.

ثانياً، تتدهور العلاقات التجارية للمصدرين الآسيويين الرئيسيين مع الصين. وهذا الأمر مدفوع بالشكوك القائمة بخصوص قطاع التصدير الصيني، وأيضاً بتباطؤ الطلب المحلي الكلي بجميع المقاييس (مبيعات التجزئة/ النقل/ الشحن/ الإيجارات/ نمو الائتمان/ مؤشر مدراء المشتريات، إلخ). وحتى أواخر العام الماضي، كانت التوترات التجارية تؤثر على الاقتصاد العالمي من خلال القناة غير المباشرة للاستثمارات في الأصول الثابتة والمخزونات، مع خفض أو تأجيل الإنفاق الرأسمالي بسبب أي توقعات مستقبلية متشائمة. لكن، هناك أدلة جديدة على أن التجارة المباشرة هي التي تؤثر الآن بشكل كبير. فبعد الصمود لأشهر عديدة، تراجعت الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة بنسبة 3.8% على أساس سنوي في ديسمبر 2018. وقد يشير ذلك إلى تلاشي تأثير ما يسمى بالشحن الاستباقي، أي عمل الشركات المتواجدة في الولايات المتحدة على زيادة وارداتها من الصين وتخزينها قبل دخول الرسوم الجمركية الجديدة حيز التنفيذ. وبالنظر إلى أن المصدرين الآسيويين الرئيسيين هم أهم الموردين لقطاع التصدير الصيني، فإن ذلك يؤدي بالفعل إلى تباطؤ التجارة البينية الإقليمية. في الواقع، تقلص إجمالي الصادرات المعدلة موسمياً لهذه المجموعة إلى الصين بنسبة 4.3% على أساس سنوي في نوفمبر 2018، وهو أول تراجع خلال أكثر من عامين. ومن المتوقع أن تسوء الأرقام أكثر خلال الأشهر القادمة حيث أظهرت تقارير مبكرة (صادرة من كوريا الجنوبية وتايوان) تراجعاً اكبر في صادرتها إلى الصين بلغ 12.6% على أساس سنوي في ديسمبر 2018.

 

chart

ثالثاً، بدأت التداعيات التجارية لتحركات أسعار صرف العملات الأجنبية تنعكس على إجمالي الصادرات الآسيوية. ونظراً لأن المصدرين الآسيويين يسعرون كميات كبيرة من صادراتهم بالدولار الأمريكي بغض النظر عن أسعار الصرف الحالية لعملاتهم، فإن التأثير الخارجي لارتفاع قيمة الدولار الأمريكي يخفف الطلب على صادرات تلك البلدان. ومن هذا المنطلق، فإن التباطؤ في الصادرات الآسيوية يعزى جزئياً إلى ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي مقابل عملات الدول المستوردة الرئيسية منذ أبريل 2018.

رابعاً، تؤثر العوامل غير الاعتيادية المرتبطة بالاقتصاد الجزئي الآتية من كوريا الجنوبية أيضاً بشكل سلبي على النمو. فانتهاء الازدهار الكبير في قطاع صناعة أشباه الموصلات الذي تهيمن عليه كوريا الجنوبية يؤدي إلى تباطؤ دورة صناعة رقائق الذاكرة، وهو ما يؤثر بدوره على النشاط الاقتصادي الإقليمي والتجارة. وبعد الارتفاع القوي الذي شهده منذ منتصف عام 2016، من المتوقع أن يتباطأ هذا القطاع مع ازدياد المعروض وتراكم المخزونات. ويتجلى ذلك في التحذيرات الأخيرة الصادرة عن شركة سامسونج بشأن تراجع الأرباح، فضلاً عن ضعف واردات أشباه الموصلات لدول المنطقة والصادرات العالمية من أجهزة الهاتف الجوال.

شكلت صادرات كوريا الجنوبية أكثر من 30% من إجمالي صادرات المصدرين الآسيويين الرئيسيين، ومثلت صادرات رقائق الذاكرة (أجهزة التخزين) أكثر من 20% من إجمالي صادرات كوريا الجنوبية في عام 2018. بالإضافة إلى ذلك، شكّلت صادرات رقائق الذاكرة (أجهزة التخزين) أو الصادرات في قطاع صناعة أشباه الموصلات أكثر من نسبة 90 % من الصادرات في كوريا الجنوبية في العام الماضي.

باختصار، يتجلى تدهور الظروف العالمية حتى في أداء المصدرين الآسيويين الأساسيين الذين كانوا يتمتعون بالمرونة الاقتصادية تقليدياً. وتشير البيانات الأسرع تواتراً إلى أن الاقتصاد العالمي يفقد المزيد من الزخم، كما أن تقديرات بلومبيرغ البالغة 3.5% لتوقعات النمو العالمي لهذا العام- على أساس سنوي- قد تتغير نحو الاتجاه السلبي.