يمكنك أيضاً تنزيل نسخة PDF من التقرير عربي و English
هيمنت موجة جديدة من التفاؤل على الأسواق المالية في الأسابيع الأخيرة، مدفوعة بميل بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى التيسير والشائعات الإيجابية حول احتمال التوصل إلى صفقة تجارية بين الولايات المتحدة والصين. ولكن، في الواقع، لم يتحقق بعد تطور إيجابي في الطلب العالمي، كما لا تزال إمكانية استعادة التعافي الاقتصادي العالمي المتزامن للفترة 2016-2017 احتمالاً بعيداً، خاصة مع استمرار وجود مخاطر سياسية كبيرة. وقد ظل الطلب العالمي يتراجع عبر الاقتصادات المتقدمة والناشئة الكبرى (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان والصين)، ما أدى تبعاً إلى تراجع معدل النمو. وقد أدى ذلك إلى تقلص في نمو التجارة. ووفقاً للمكتب الهولندي لتحليل السياسات الاقتصادية، وهو وكالة رائدة في مراقبة البيانات الاقتصادية، فقد انخفضت أحجام التجارة العالمية بنسبة 0.9% خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2018- وهو أكبر انخفاض فصلي مشترك في التجارة لفترة ما بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2009.
يعد نمو التجارة أحد أهم مقاييس الطلب العالمي وأكثرها موثوقية. وقد كانت الاقتصادات الآسيوية الناشئة هي المحرك الرئيسي لضعف التجارة العالمية في أواخر العام الماضي، حيث تقلصت أحجام التجارة الإجمالية في المنطقة بنسبة 4.2% في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2018. وسنحاول في تحليلنا لهذا الأسبوع قراءة بيانات التجارة الإقليمية الأكثر تواتراً من أجل تحديد الأسباب الكامنة وراء هذا التقلص واستخلاص استنتاجات حول الظروف الحالية والمستقبلية على المدى القصير.
في حين لا تشمل البيانات الصادرة عن المكتب الهولندي لتحليل السياسات الاقتصادية حول أحجام التجارة الفترة التي تلي ديسمبر 2018، بإمكاننا الاعتماد على البيانات المبكرة الصادرة عن الاقتصادات الآسيوية شديدة الانفتاح (اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان) لتكوين نظرة أكثر دقة عن أوضاع التجارة. وبحسب هذا المؤشر الموازي، فقد تواصل تباطؤ التجارة العالمية وتحول إلى حالة من التراجع. وعلى نحو مقلق، فإن متوسط نمو الصادرات لثلاثة أشهر على أساس سنوي انخفض من نمو برقم مزدوج في الفترة فبراير 2017 – فبراير 2018 إلى تراجع بنسبة 1.7% في فبراير 2019. وقد كان ذلك أول تراجع منذ أكثر من سنتين.
العنصر الرئيسي في قصة التجارة الآسيوية هذه هو الصين. ويبدو أن البلد يواجه حالياً انعكاسات ما يسمى بتأثير الشحن الاستباقي في التجارة بين الولايات المتحدة والصين، أي عمل الشركات المتواجدة في الولايات المتحدة على زيادة وارداتها من الصين خلال بداية العام الماضي وتخزينها قبل سريان التعريفات الجديدة. وحيث أن المصدرين الآسيويين الرئيسيين هم بمثابة موردين أساسيين لقطاع الصادرات الصيني، فإن امتداد هذا التأثير إلى التجارة البينية الإقليمية هو أمر طبيعي. في الواقع، تراجع متوسط نمو الصادرات لثلاثة أشهر على أساس سنوي لمجموعة البلدان الآسيوية ذات البيانات المبكرة إلى الصين بنسبة 7.7% في يناير 2019.
من المتوقع أن يظل الأداء الاقتصادي للصين المصدر الرئيسي للتغير في أحجام التجارة في الأشهر المقبلة. والجدير بالملاحظة أنه فيما يتعلق بالظروف المستقبلية على المدى القصير، تتباين المؤشرات الرئيسية للطلب في الصين.
ففي الجانب السلبي، تراجع مؤشر Spaceknow الصناعي الصيني، الذي يرصد أكثر من ستة آلاف منشأة صناعية في الصين عبر صور الأقمار الصناعية ويستخدم الخوارزميات لقياس مستوى النشاط الصناعي من خلال تصنيف المواد السطحية، إلى مستويات لم تسجل إلا خلال فترة الركود في 2015-2016 أو بعد الأزمة المالية العالمية وأزمة الديون الأوروبية.
أما في الجانب الإيجابي، شهد مؤشر Li Keqiang، الذي يرصد التغيرات في إقراض البنوك والشحن بالسكك الحديدية واستهلاك الطاقة الكهربائية لتقدير النشاط والنمو، ارتفاعاً كبيراً بحسب قراءته الأخيرة. وبالإضافة إلى ذلك، بدأ سيل من البيانات الإيجابية في التدفق بفعل التحسن في الطلبيات الجديدة في مؤشر مدراء المشتريات في القطاع الصناعي الصيني والتسارع في النمو العام للائتمان والإنفاق الاستثماري في الأصول الثابتة المرتبطة بالبنية التحتية. ويعكس ذلك على الأرجح الآثار الأولية للتخفيف في السياسة النقدية والمالية الذي تم مؤخراً في الصين، والذي تم اعتماده لدعم الطلب.
وبشكل عام، مع تباطؤ الاقتصاد العالمي وعدم اليقين الذي يحيط بتوقعات النمو في الصين، فإنه من المتوقع أن تظل أحجام التجارة ضعيفة خلال عام 2019.