بعد انتصارات الحزب الديمقراطي الأمريكي في الانتخابات الخاصة في ولاية جورجيا في الخامس من يناير الجاري، يكون الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، قد سيطر على مجلس الشيوخ والكونغرس بشكل عام. وكانت تلك الانتصارات استثنائيةً، لأن ولاية جورجيا لم تنتخب سيناتوراً ديمقراطياً منذ عام 1996، والرئيس المنتخب بايدن هو أول عضو من الحزب الديمقراطي يفوز بالسباق الرئاسي في جورجيا منذ عام 1992.
ومع ذلك، فإن الأغلبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ ضئيلة للغاية، وتعتمد على صوت نائبة الرئيس المنتخبة، كامالا هاريس، الذي سيكون حاسماً، حيث يشغل الديمقراطيون 50 مقعداً ويشغل الجمهوريون أيضاً 50 مقعداً. وعلى الرغم من عدم تحقيق الديمقراطيين للفوز الكاسح الذي تم الحديث عنه خلال الاستعداد للانتخابات الرئيسية في نوفمبر الماضي، فإن سيطرتهم على الكونغرس ستسمح للإدارة الجديدة بإحراز مزيد من التقدم في أجندتها. يتناول تحليلنا تداعيات سيطرة الديمقراطيين على كل من البيت الأبيض والكونغرس وتأثير ذلك على التوقعات الاقتصادية عبر السياسة المالية ونمو الناتج المحلي الإجمالي والتضخم والبطالة ومشتريات الأصول وأسعار الفائدة على المدى القصير والمتوسط.
على المدى القصير، نتوقع أن يتمكن الديمقراطيون من تمرير تشريع يوفر تحفيزاً مالياً إضافياً بحوالي 750 مليار دولار أمريكي في المجموع خلال الربع الأول من عام 2021. وتتوقع مجموعة غولدمان ساكس أن يتضمن ذلك 300 مليار دولار أمريكي لمدفوعات التحفيز الإضافية، و200 مليار دولار أمريكي للمساعدة المالية لحكومات الولايات والحكومات المحلية، و150 مليار دولار أمريكي لتوسيع نطاق الأهلية للحصول على إعانات البطالة و100 مليار دولار أمريكي من النفقات الأخرى (انظر الرسم البياني). ونتوقع أن يتم تمرير القرار بحلول نهاية شهر فبراير مع بدء المدفوعات بعد ذلك بوقت قصير.
وستعمل هذه الجولة الجديدة من التحفيز المالي على زيادة الدخل الشخصي المتاح للاستهلاك، فهي تأتي بالإضافة إلى حزمة بقيمة 900 مليار دولار أمريكي تم تمريرها مؤخراً، وتضمنت شيكات تحفيز بقيمة 600 دولار أمريكي (للأفراد البالغين الذين يقل دخلهم عن 75,000 في عام 2019)، وإعانات بطالة إضافية ومخصصات لدعم الشركات الصغيرة. وينبغي للتحفيز المالي أن يضيف ما بين نصف نقطة ونقطة مئوية واحدة إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة في عام 2021. ومع ذلك، فإن الوتيرة البطيئة لحملات التطعيم وظهور المزيد من السلالات المُعدية بشكل أكبر من فيروس كورونا سيؤخران ويحدان من الزيادة في الإنفاق الاستهلاكي.
في المدى المتوسط، نتوقع أن القدر الأكبر من التحفيز المالي المزمع تقديمه خلال الربع ال`حالي سيُقابل جزئياً بمقدار محدود من الزيادات الضريبية والزيادة في الإنفاق في وقت لاحق من العام. ومن المتوقع أن تؤدي أجندة السياسة المالية الخاصة بجو بايدن إلى زيادة كبيرة في جانب الإنفاق، لا سيما الاستثمارات الاجتماعية المرتبطة بالاستحقاقات والتعليم والرعاية الصحية، على الرغم من احتمال أن يكون ذلك بمبالغ أقل بكثير مما اقترحته حملة بايدن في البداية خلال الفترة التي تسبق انتخابات نوفمبر. ومن المقرر أن يتم توفير التمويل من خلال فرض ضرائب إضافية، حيث يقترح بايدن زيادة الضرائب وتقليل مزايا دافعي الضرائب ذوي الدخل المرتفع.
من المتوقع أن يؤدي النمو القوي في الناتج المحلي الإجمالي إلى خفض البطالة، ونتوقع حالياً أن ينخفض معدل البطالة إلى أقل من 5% بحلول نهاية عام 2021. ومن المفترض أن يؤدي تراجع الركود في سوق العمل إلى ترسيخ التضخم، حيث ستعطي التغييرات في السياسة العامة لأسعار الرعاية الصحية دفعةً إضافيةً إلى التضخم في عام 2021. ويعني انخفاض البطالة وارتفاع التضخم أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيبدأ في خفض مشتريات الأصول تدريجياً ويرفع أسعار الفائدة في وقت أقرب مما كان متوقعاً في السابق. ومع ذلك، لا نتوقع أن يبدأ التخفيض التدريجي قبل نهاية العام، كما أن ما يسمى بـ "الإقلاع" (أي عندما يبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة) غير مرجح لعدد من السنوات لأن متوسط التضخم المستهدف يمنح بنك الاحتياطي الفيدرالي حيزاً واسعاً في سياسته النقدية لإبقاء أسعار الفائدة منخفضة لفترة زمنية طويلة.
وخارج نطاق السياسة المالية، فإن معظم التشريعات الأخرى ستتطلب تأييد ما لا يقل عن 60 عضواً من أعضاء مجلس الشيوخ لتمريرها بسبب معارضة إلغاء حق التعطيل (فيليبستر). وهذا يعني أن الدعم من كلا الحزبين سيظل مطلوباً لتمرير تشريعات حول قضايا مثل البنية التحتية، وزيادة الحد الأدنى للأجور، واللوائح التنظيمية الخاصة بالتكنولوجيا، والسياسات البيئية. ومع ذلك، فإن سيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ ستحدث فرقاً في تلك المجالات، حيث سيسيطر الديمقراطيون الآن على جدول الأعمال في مجلس الشيوخ، وسيكون لبايدن المزيد من الحرية في ترشيح المسؤولين للمناصب السياسية المؤثرة، وهو أمر كان بمقدور الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ تعطيله في السابق. كما أننا نرى وجود مجال للتعاون بين الحزبين بشأن حزمة البنية التحتية.
ستؤدي سيطرة الديمقراطيين على مراكز صنع القرار في العاصمة واشنطن بعد يوم التنصيب المزمع عقده في العشرين من يناير الجاري إلى زيادة الإنفاق المالي، وتسريع نمو الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة التضخم، ورفع أسعار الفائدة، بشكل أكبر مما كنا نتوقع في السابق. وعلى أي حال، فإن الولايات المتحدة من المتوقع أن تستمر في كونها قوةً اقتصاديةً كبرى تحفز التكنولوجيا والابتكار في مختلف أنحاء العالم.
يمكنك أيضاً تنزيل نسخة PDF من التقرير عربي و English