خفَّض صندوق النقد الدولي مؤخراً توقعاته حول نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال عام 2012 من %4.2 إلى %3.6. ويرى تحليل صادر عن QNB Capital أن معظم التوقعات السلبية تأتي من الدول المستوردة للنفط في المنطقة.
وقد تدهورت توقعات أداء الاقتصاد العالمي خلال الأشهر الماضية حيث كان السبب الرئيسي هو ضعف الاقتصاديات المتقدمة، والتي تعاني من ارتفاع مستويات الديون السيادية وارتفاع معدلات البطالة وتباطؤ النمو الاقتصادي. ويُمثل تقرير صندوق النقد الدولي حول توقعات الاقتصاد العالمي والذي يصدر مرتين في العام مرجعية حول توقعات التغييرات في الأداء الاقتصادي.
ويُشير احدث تقرير أصدره الصندوق إلى وجود مسارين في أداء اقتصاديات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتشهد اقتصاديات الدول المصدرة للنفط، خاصة دول مجلس التعاون الخليجي، نمواُ سريعاً نتيجة لارتفاع أسعار النفط وارتفاع مستويات الإنفاق الحكومي. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل متوسط سعر النفط إلى 103 دولار للبرميل خلال 2011، مما يُعني أن الدول المصدرة للنفط في المنطقة ستحقق فائض في الحساب الجاري المُجمَّع يبلغ %15 من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يُمثل ضِعف توقعات الصندوق منذ عام.
غير أن التوقعات حول الأداء الاقتصادي في الدول المستوردة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا شهدت تدهوراً كبيراً، حيث كان صندوق النقد الدولي يتوقع في أكتوبر 2010 نمواً اقتصادياً قوياً في هذه الدول يتفوق على النمو في الدول المصدرة للنفط ويصل إلى %5.2. لكن الصندوق يتوقع حالياً أن يصل معدل النمو إلى %1.4 فقط. كما قام بتخفيض توقعاته للنمو في عام 2012 إلى %2.6 في حين كان يتوقع نمواً يصل إلى %4.5 في ابريل 2011.
ويرى تحليل QNB Capital أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية وراء هذه التوقعات الضعيفة. أولاً، ستعمل الأسعار المرتفعة للنفط والسلع على عرقلة النمو في اقتصادياتها. ثانياً، أدى تراجع الأداء الاقتصادي في أوروبا إلى تداعيات سلبية قوية على هذه الدول، حيث يوجد ارتباط قوي بين الاقتصاديات الأوروبية واقتصاديات الدول المستوردة للنفط في شمال أفريقيا ودول المشرق العربي من خلال السياحة والتجارة وتحويلات العاملين.
يأتي ثالثاً، وهو أهم هذه العوامل، ارتباك الأداء الاقتصادي بسبب التغييرات الناجمة عن الربيع العربي، رغم أن هذه التغييرات يمكن أن تدعم النمو على المدى المتوسط في حال تمكنت الحكومات الجديدة من إقامة إطار مؤسسي وإتباع سياسات مشجعة للاستثمارات لدفع عملية النمو قدماً.
وكان صندوق النقد الدولي يتوقع منذ عام أن تحقق كل من سوريا ومصر نمواً يصل إلى %5.5 في 2011، لكن توقعاته الحالية تُشير إلى أن مصر ستحقق نمواً يبلغ %1.2 فقط بينما يتوقع أن تشهد سوريا انكماشاً بنسبة %2. كما يتوقع الصندوق نمواً ضعيفاً في الدولتين خلال 2012، رغم أنه يرى أن تونس ستحقق نمواً يبلغ %3.9 بعد توقف النمو في 2011 نظراً لاتجاه الأوضاع نحو الاستقرار هناك.
وقام الصندوق بتعليق توقعاته حول ليبيا بشكل مؤقت كما قام باستبعادها من التوقعات المجمعة للدول المصدرة للنفط. وقد أثر توقف إنتاج النفط معظم العام بشدة على الناتج المحلي الإجمالي وقد أدت الأوضاع الراهنة إلى توقف معظم الأنشطة الاقتصادية. وتُشير توقعات وحدة معلومات الايكونومست إلى أن الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة سينكمش بمعدل %28 هذا العام، غير أنه سيرتد خلال الفترة بين عامي 2012-14 ليحقق نمواً بمعدل %12 سنوياً نتيجة لتعافي إنتاج النفط والقطاعات غير النفطية.
كما يتوقع صندوق النقد الدولي مستويات معتدلة من التضخم في المنطقة بحيث يصل متوسط معدل التضخم إلى أقل من %6 خلال عامي 2011-12 في معظم الدول. لكن توقعات التضخم في إيران والسودان ومصر تعتبر استثناءاً لهذا الإطار بحيث تتجاوز %10 سنوياً.
وبالنسبة لدولة قطر فإن توقعات صندوق النقد الدولي مازالت تضعها على قمة الأداء الاقتصادي في المنطقة حيث يتوقع أن يصل النمو إلى %18.7 في عام 2011 و%6 في 2012. وتأتي توقعات QNB Capital أعلى من ذلك قليلاً عند %21 و%10.2 على التوالي.
ويرى تحليل QNB Capital أنه رغم الضعف المؤقت في اقتصاديات بعض دول المنطقة، إلا أن توقعات الأداء الاقتصادي في دول المنطقة ككل تعتبر ايجابية على المدى المتوسط.
يدعم هذه الرؤية التركيبة السكانية في المنطقة حيث نجد أن معظم السكان هم من الفئات العمرية العاملة مع معدل منخفض لنسبة المتقاعدين إلى العاملين، وهو وضع عادةً ما يدعم النمو الاقتصادي في الدول. كما أن الاستثمارات والسياحة وتحويلات العاملين من دول مجلس التعاون الخليجي ستدعم النمو في الدول المستوردة للنفط في المنطقة. ويظل الاستقرار السياسي وتطبيق سياسات مالية قوية هو العامل الرئيسي في دعم الثقة وجذب الاستثمارات الأجنبية.