دخلت أزمة ديون منطقة اليورو منعطفا جديدا الأسبوع الماضي مع تزايد الاعتراف باحتمال تعثر اليونان، حسب تحليل صادر عن QNB Capital.
مرت اليونان بفترة طويلة من العجز النقدي الهيكلي لدفع رواتب الموظفين الحكوميين وتوفير الضمان الاجتماعي، مما أدي إلى ارتفاع كبير في الديون السيادية. وعندما جاءت الحكومة الحالية في أكتوبر من عام 2009 ظهر جليا أن الحكومات السابقة قامت بعمليات تمويه للبيانات المالية والاقتصادية لكي تتماشى مع الحدود التي يفرضها الاتحاد الأوروبي. ونتيجة لذلك ظهر أن العجز أسوأ بكثير مما كان يُعتقد في السابق. كما تأثر الاقتصاد اليوناني بشدة جراء الركود العالمي حيث تراجع بنسبة %2 في 2009 و%4.5 في عام 2010.
وقامت وكالات التصنيف الائتماني بتخفيض تصنيف ديون اليونان السيادية إلى مستوى التعثر في 2010، وبالتالي ارتفعت معدلات الفائدة على السندات التي يطلبها المستثمرون بشكل حاد وارتفعت تكلفة إعادة تمويل الديون.
وتعهد الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي في مايو من 2010 بتقديم حزمة إنقاذ بقيمة 110 مليار يورو خلال ثلاث سنوات وبفائدة تبلغ %5، وهو معدل منخفض جدا مقارنة مع معدل السوق. جاء ذلك بشرط قيام الحكومة بإجراءات تقشفية لتقليص العجز.
وأدت الأزمة اليونانية إلى تزايد المخاوف حول الديون السيادية في ايرلندا والبرتغال، اللتين تلقيتا حزم إنقاذ أيضا في 2010.
وفي يوليو من العام الجاري تم توسيع حزمة إنقاذ اليونان وتم تخفيض معدل الفائدة إلى %3.5 بالإضافة إلى تمديد فترة السداد.
وفي نفس الوقت بدأت تنتشر تداعيات الأزمة إلى اقتصاديات اكبر- ايطاليا واسبانيا- وتدخل البنك المركزي الأوروبي عن طريق شراء السندات الايطالية والاسبانية، مما أدى إلى تراجع قوي في معدلات الفائدة.
رفض جورجين ستارك، كبير الاقتصاديين في البنك المركزي الأوروبي، برنامج شراء السندات وأعلن في التاسع من سبتمبر عن عزمه الاستقالة. وهذه الخطوة تعكس امتعاض ألمانيا نظراً لأنها تتحمل الأعباء الناجمة عن توسع دول جنوب أوروبا في الإنفاق بصورة مبالغ فيها.
غير أن تحليل QNB Capital يؤكد أن مبادرات الاتحاد الأوروبي هي مجرد إجراءات لتأجيل الأزمة حيث أنه طالما استمرت اليونان في تحقيق عجز سيستمر الارتفاع في مستويات ديونها. كما أن الناتج المحلي الإجمالي في اليونان من المتوقع أن يشهد مزيدا من التراجع هذا العام. ونتيجة لذلك يتوقع مكتب الإحصاء في الاتحاد الأوروبي (يوروستات) أن ترتفع ديون اليونان إلى %166 من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية 2012 مقارنة مع %111 في 2008، كما ستستمر في الارتفاع في السنوات اللاحقة. وتتزايد المخاوف حول قدرة اليونان في سداد ديونها الهائلة بالكامل.
وفي حال عجزت اليونان عن الوفاء بالتخفيضات المستهدفة في الميزانية، فمن المحتمل أن يوقف الاتحاد الأوروبي تقديم دفعات القروض الخاصة بحزمة الإنقاذ، الأمر الذي سيضطرها إلى اللجوء للاقتراض بمعدلات الفائدة السائدة في الأسواق وبالتالي يزيد من حدة الأزمة.
كل هذا يعطي مؤشرات على التعثر، الذي يبدو أن الأسواق تتوقعه. وارتفع معدل الفائدة على سندات اليونان التي يحين موعد استحقاقها بعد عامين إلى %70 في 12 من سبتمبر، بذلك يكون قد تضاعف خلال شهر واحد. وأيضا تؤكد وكالة التصنيف الائتماني موديز أن تكلفة التأمين على ديون اليونان ضد التعثر تعكس توقعات بتعثر اليونان بنسبة %24 في غضون عام (على النقيض المخاطر من تعثر قطر لا تتجاوز %0.13) وبنسبة %61 في غضون خمس سنوات. كما توجد مؤشرات على أن ألمانيا تقوم بإعداد خطط طوارئ لدعم مصارفها في حالة التعثر.
ويبدو الخيار بين حالة تعثر فوضوية تتضمن انسحاب اليونان من منطقة اليورو، أو عملية إعادة هيكلة أكثر تنظيماً يتم التخطيط لها مع الدائنين من القطاع الخاص والاتحاد الأوروبي لتقليص التداعيات. ويجب تعزيز العلاقات بين اليونان والاتحاد الأوروبي من أجل اللجوء إلى الخيار الثاني.
وجاء التراجع الحاد في أسهم البنوك الأوروبية الأسبوع الماضي، بخاصة البنوك الفرنسية والألمانية، نظرا لتعرضها الكبير للديون اليونانية بالإضافة إلى مخاوف واسعة حول حالة الاقتصاد. كما شهد اليورو انخفاضا حادا مقابل الدولار حيث يبيع المستثمرون الأصول المقيمة باليورو.
ويرى تحليل QNB Capital أن التداعيات على منطقة الخليج ستكون متداخلة. ففي الجانب السلبي، يمكن أن يؤدي تعثر اليونان إلى أزمة ائتمان جديدة في البنوك الأوروبية ويرفع تكاليف التمويل في العالم، بما في ذلك تمويل المشاريع في الخليج. وأيضا في حال ضربت الأزمة النمو الاقتصادي الضعيف أصلا فإن أسعار النفط يمكن أن تنخفض.
ومن الناحية الايجابية سيؤدي ضعف اليورو إلى تراجع تكاليف الاستيراد إلى منطقة الخليج التي تعتمد على أوروبا لاستيراد المعدات الإنتاجية والبضائع. كما أن تراجع أسعار الأصول يمكن أن يوفر فرص للمستثمرين الأفراد والصناديق السيادية للشراء مثلما حدث في 2009.