تراجعت التوقعات حول أداء الاقتصاد العالمي بحدة خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث قام صندوق النقد الدولي بتخفيض توقعاته حول أداء الاقتصاد العالمي في 2011 من النمو بمعدل %4.3 في يونيو إلى %4 في سبتمبر الماضي. كما توقع تحقيق نمو بنسبة %4.5 خلال 2012. ويرى تحليل QNB Capital أن تراجع التوقعات جاء بسبب وجود مؤشرات على أن مستوى التعافي في الاقتصاد العالمي جاء اقل من التوقعات، بالإضافة إلى تزايد الضغوط من أزمة الديون السيادية وأزمة البنوك في أوروبا.
وهناك تباين قوي في أداء اقتصاديات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث تتأثر الدول المستوردة للنفط بقوة من تداعيات الوضع في الاقتصاد العالمي، مقارنة مع تأثيرات أقل على الدول المصدرة للنفط. وقام كل من صندوق النقد الدولي ومعهد التمويل الدولي بتخفيض توقعاتهما للنمو الاقتصادي في الدول المستوردة للنفط في المنطقة خلال الأشهر الماضية. وخفض صندوق النقد الدولي في أكتوبر توقعاته للأداء الاقتصادي في هذه الدول إلى النمو بنسبة %1.4 في 2011 ونمو بنسبة %2.6 في 2012، مقارنة مع توقعات في شهر ابريل بتحقيق نمو بنسبة %1.9 هذا العام و%4.5 العام المقبل. وبالمثل، قام معهد التمويل الدولي بتخفيض توقعاته للدول المستوردة للنفط في المنطقة من %4.2 إلى %2.3 في 2012 (لا تتضمن توقعات معهد التمويل الدولي بيانات حول ليبيا والسودان واليمن، في حين أن تقرير صندوق النقد الدولي يتضمن هذه الدول بالإضافة إلى إيران).
إن تأثير التوقعات السلبية حول أداء الاقتصاد العالمي كان محدوداً على توقعات أداء الاقتصاد في الدول المصدرة للنفط نظراً لارتفاع أسعار النفط وزيادة عائدات الصادرات الهيدروكربونية مما ساعد الحكومات على زيادة الإنفاق وتعزيز النمو الاقتصادي. وكانت قرارات زيادة الإنفاق خلال 2011 قد أدت إلى نمو الإنفاق ما بين %6-3 من الناتج المحلي الإجمالي في الدول المصدرة للنفط. ولم يقم أي من صندوق النقد الدولي أو معهد التمويل الدولي بتخفيض توقعاته حول النمو الاقتصادي في الدول المصدرة للنفط في 2011، في حين قاما بتخفيض التوقعات بنسبة طفيفة بين %0.3-0.2 في 2012.
غير أن هناك بعض المخاطر المهمة التي يمكن أن تواجه الدول المصدرة للنفط. أولاً، يمكن أن يؤدي التباطؤ في الاقتصاد العالمي إلى تراجع الطلب على النفط وبالتالي يؤدي إلى انخفاض كبير في الأسعار. ويرى معهد التمويل الدولي أن المملكة العربية السعودية يمكن أن تخفض إنتاجها المرتفع حالياً لكي تحافظ على سعر برميل مزيج برنت فوق مستوى 85 دولاراً، وهذا هو مستوى سعر برميل النفط الذي يضمن عائدات تغطي النفقات في معظم الدول الأعضاء في منظمة أوبك. وحسب صندوق النقد الدولي فإن المعدل بالنسبة لدولة قطر أقل من ذلك بكثير عند دون مستوى 40 دولار للبرميل.
ثانياً، تفرض الدول الأوروبية على البنوك، وكجزء من حل أزمة الديون السيادية، معدلات مرتفعة لاحتياطيات رأس المال وهذا يمكن أن يقلص قدرة البنوك على توفير تسهيلات ائتمانية. وقد أعلنت بعض البنوك بالفعل أنها تعتزم تخفيض محفظة القروض بدلاً من زيادة رأس مالها. وتلعب البنوك الأوروبية دوراً مهما في بعض الدول المصدرة للنفط من خلال تمويل مشاريع التنمية الضخمة. هذا الوضع أدى بالفعل إلى تراجع السيولة المتوفرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي حال اشتدت حدة أزمة الديون السيادية في أوروبا فإن معوقات التمويل يمكن أن تهدد النمو في المنطقة.
واستطاعت الدول المصدرة للنفط في المنطقة تجاوز التباطؤ في الاقتصاد العالمي حتى الآن، لكن إذا أدى التباطؤ في الاقتصاد العالمي إلى تراجع أسعار النفط وشح السيولة فإن ذلك يمكن أن يكون له تداعيات كبيرة على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بما فيها الدول المصدرة للنفط.
وفي أسوأ سيناريو يمكن أن تتعثر بعض الدول الأوروبية في سداد ديونها وبالتالي أزمة مالية جديدة في العالم واختفاء السيولة، ثم يدخل الاقتصاد العالمي في حالة ركود وانهيار لأسعار النفط. غير أن الدول المصدرة للنفط تظل في وضع أفضل بسبب انخفاض معدلات الدين العام وزيادة احتياطياتها الخارجية والفوائض في ميزانياتها التي تساعد الحكومات على الاستمرار في الإنفاق.