يمكنك أيضاً تنزيل نسخة PDF من التقرير عربي و English
كانت الاختلالات في الحسابات الجارية لمختلف بلدان العالم موضوعاً بارزاً في المناقشات المتعلقة بالسياسات العامة خلال السنوات القليلة الماضية. فقد اعتبرها العديد من المراقبين سبباً رئيسياً في الأزمة المالية العالمية لسنة 2009، حيث يُعتقد أن فوائض الحساب الجاري في العديد من الاقتصادات (خاصة في الصين) ساعدت في تأجيج الطفرات الائتمانية وشهية المخاطرة في البلدان التي بها عجز في الحساب الجاري والتي تضررت بشدة من هذه الأزمة (خاصة الولايات المتحدة الأمريكية)، وذلك عن طريق زيادة الضغوط الهبوطية على أسعار الفائدة حول العالم والمساعدة في تمويل الطفرات الائتمانية في تلك البلدان.
ويقيس الميزان التجاري واردات البلد وصادراته. ويُعتبر الميزان التجاري أكبر مكون في الحساب الجاري، الذي يُعد بدوره أكبر مكون في ميزان المدفوعات .
وتُعرف الواردات على أنها أي سلع أو خدمات يتم إنتاجها في بلد أجنبي، حتى لو كانت جميع تلك الواردات تُباع من قبل شركة محلية وتحقق ربحاً لها. ولذلك فإن العولمة وتزايد عدد الشركات متعددة الجنسيات والاستعانة بمصادر خارجية تساهم جميعها في نمو التجارة الدولية.
ويحدث العجز التجاري عندما يستورد بلد ما أكثر مما يصدر. في عام 2018، بلغ حجم التجارة بين الولايات المتحدة وبقية دول العالم 5.6 تريليون دولار، منها 2.5 تريليون دولار للصادرات و3.1 تريليون دولار للواردات.
وقد اتسع العجز التجاري الأمريكي إلى 622 مليار دولار في عام 2018، بارتفاع حاد من 552 مليار دولار في عام 2017 (انظر إلى الرسم البياني). وكانت واردات الولايات المتحدة في عام 2018 أعلى بنسبة 8% بالمقارنة مع عام 2017. وأدى التأثير المجتمع لتعزز الطلب المحلي، والمحفزات المالية، ونقص الطاقة الانتاجية، إلى زيادة الواردات. وارتفعت الصادرات الأمريكية بنسبة 6% في عام 2018 مقارنةً بعام 2017. وعلى الرغم من البداية القوية في عام 2018، تباطأ نمو الصادرات في النصف الأخير من العام في ظل تباطؤ النمو العالمي، وتراجع التجارة، وتزايد الإجراءات الحمائية. وإجمالاً، تسبب صافي التجارة في تراجع الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بمقدار 0.2 نقطة مئوية في عام 2018.
إن حجم العجز التجاري الأمريكي هو أحد العوامل التي تدفع الرئيس ترامب لفرض رسوم جمركية وغيرها من التدابير الحمائية التي تركز حالياً على الصين (انظر إلى تقريرنا الصادر مؤخراً بعنوان تقدم في المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين دون حدوث اختراق). ومع ذلك، ظل العجز التجاري مستقراً على نطاق واسع منذ عام 2009 حيث ظل يتراوح بين 2% و3% من الناتج المحلي الإجمالي، بالمقارنة مع متوسط 2.5% منذ عام 1980. وبالتالي، فإن الميزان التجاري يشير إلى أن الولايات المتحدة والاقتصادات العالمية الأخرى ليست معرضة للخطر كما كانت خلال السنوات التي سبقت الأزمة المالية العالمية لسنة 2009.
إن تنافسية الولايات المتحدة مدعومة بإمدادات رخيصة نسبياً من الطاقة، والريادة في الأبحاث والتنمية، وتمتعها بأعمق الأسواق المالية في العالم. لكن تتمتع بلدان كثيرة أخرى (مثل الصين والمكسيك) بتكلفة أقل لليد العاملة، وهو ما يجعلها أكثر تنافسية نسبياً من الولايات المتحدة، وخصوصاً في تصنيع السلع الاستهلاكية والسيارات. ومن شأن تحسن تنافسية الولايات المتحدة أمام البلدان الأخرى أن يعزز الصادرات ويحد من الواردات، مما يقوي الميزان التجاري.
ونما الاقتصاد الأمريكي بنسبة 2.9% في عام 2018، وهو أفضل أداء له خلال أكثر من عشر سنوات. وكان الطلب المحلي القوي (الاستهلاك الخاص والاستثمار) مدعوماً بالتحفيزات المالية المقدمة بشكل أساسي من خلال خفض الضرائب. ويؤدي الطلب المحلي القوي إلى تحفيز الواردات أكثر من الصادرات، مما يضعف الميزان التجاري. وخلال السنوات القليلة الماضية، ظل الطلب المحلي في الولايات المتحدة يشكل دافعاً مهماً للاقتصاد العالمي وللطلب الخارجي، وبالتالي ساهم في توسيع عجز الميزان التجاري الأمريكي.
كما ساهمت القوة النسبية لاقتصاد الولايات المتحدة في ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي، الذي لا يزال قوياً جداً أمام سلة من العملات الأجنبية المرجحة بالتجارة. وتؤثر قوة العملة بشكل سلبي على الميزان التجاري لأنها تجعل الواردات أرخص نسبياً للمستهلك المحلي، وتجعل الصادرات أغلى نسبياً للمستهلك الأجنبي.
تاريخياً، استوردت الولايات المتحدة الكثير من النفط. وبالتالي، عندما ارتفعت أسعار النفط، زاد العجز التجاري. لكن، أدى استخدام النفط الصخري الأمريكي مؤخراً إلى تقليص اعتماد الولايات المتحدة على استيراد النفط بشكل كبير. ولذلك فإن العجز التجاري الأمريكي هو أصغر حالياً مما قد يكون عليه دون الاعتماد على النفط الصخري، وهو أقل عرضة لتقلبات أسعار النفط مع تحرك الولايات المتحدة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي.
ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها إدارة ترامب، فإن تراجع النمو العالمي والإجراءات الحمائية سيعيقان زخم الصادرات، في حين سيستمر الطلب المحلي القوي نسبياً وارتفاع قيمة الدولار الأمريكي في تحفيز الواردات. ومع تجاوز الواردات للصادرات، من المتوقع أن يتسع العجز التجاري الأمريكي إلى حوالي 650 مليار دولار، وبالتالي من المرجح أن يتسبب صافي التجارة في تثبيط نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الولايات المتحدة بحوالي 0.3 نقطة مئوية هذا العام. كما أن اتساع العجز التجاري يزيد من مخاطر تصعيد الرئيس ترامب للحرب التجارية مرة أخرى خلال الحملة الخاصة بإعادة انتخابه في 2020.