ظلت التجارة العالمية مكوناً هاماً من مكونات الاقتصاد على مدى العقود القليلة الماضية، حيث شكلت حوالي 43% من الناتج الإجمالي العالمي في العام الماضي. تقليدياً، لا يحدث نمو أو تراجع في الناتج الإجمالي العالمي دون حدوث تغيرات كبيرة في القيمة والحجم الإجمالي للتجارة بين الدول. لذلك، تعتبر التجارة مقياساً جيداً لسلامة أوضاع الاقتصاد العالمي.
في وقت سابق من العام الحالي، عندما تسبب الانتشار العالمي لوباء كوفيد-19 في صدمات سلبية غير مسبوقة، توقفت التجارة العالمية، مع تراجع التدفقات التجارية إلى 17% من ذروة ارتفاعها، غير أنها استقرت مجدداً مع تخفيف عمليات الإغلاق وإجراءات التباعد الاجتماعي في الربع الثالث من العام، ومع قيام الحكومات في جميع أنحاء العالم بدعم النشاط التجاري بحوافز نقدية ومالية قوية. وتشير البيانات عالية التردد من الاقتصادات الآسيوية المصدرة للسلع والتي تصدر تقاريرها بصفة مبكرة إلى وجود انتعاش كبير في نمو التجارة. لكن الوباء لم ينته بعد، فهناك موجة جديدة من الإصابات التي تضرب مجدداً أوروبا والولايات المتحدة في الوقت الحالي، مما يؤثر على التنقل والنشاط. وفي حين يُرجح أن يؤدي ذلك إلى تباطؤ آخر في التجارة العالمية، إلا أننا نتوقع أن تكون هذه التأثيرات المعاكسة قصيرة الأجل، مع تسارع معدلات التعافي في عام 2021. وهناك ثلاثة أسباب تدعم وجهة نظرنا هذه.
أولاً، ظهر عامل إيجابي رئيسي في الاقتصاد العالمي في الشهر الماضي مع الإعلان عن إحراز تقدم سريع لتطوير لقاح كوفيد-19، مما خلق آفاقاً إيجابية للنشاط الاقتصادي والطلب. بعد أشهر من البحوث، وبالنظر إلى النتائج الجيدة في المرحلة الثالثة من تجارب فعالية اللقاحات، من المرتقب أن تحصل العديد من لقاحات كوفيد-19 الآن على ترخيص للاستخدام الطارئ في بلدان مختلفة. وبافتراض عدم وجود مشاكل كبيرة في عملية الإنتاج والتوزيع الضخمة للقاحات المعتمدة، من المتوقع أن تتم إعادة فتح الاقتصاد العالمي تدريجياً في الربعين الثاني والثالث من عام 2021. ومن شأن هذا الأمر أن يُسرّع وتيرة التعافي ويقلل الأضرار المحتملة من الركود المزدوج في نهاية المطاف.
ثانياً، يشير مؤشر داو جونز لشركات النقل، وهو مؤشر للأسهم يتألف من شركات الطيران والشاحنات والنقل البحري والسكك الحديدية وشركات التوصيل، والتي يسبق أداؤها الصادرات بمقدار 3 أشهر، إلى زيادة الطلب والصادرات في المستقبل. ولا يشير المؤشر إلى بداية التعافي فحسب، بل أيضاً إلى تسارع كبير في نمو التجارة خلال الأشهر القليلة المقبلة.
ثالثاً، وفقاً لمؤشر جيه بي مورغان العالمي لمديري المشتريات، كان تأثير الصدمة السلبية جراء الوباء أقوى بكثير على قطاع الخدمات منه على قطاع التصنيع، مما خفف تراجع الطلب على السلع المادية. علاوةً على ذلك، من وجهة نظرنا، كان جزء من الاضطراب التجاري في وقت سابق من العام بسبب جانب الإمداد وكذلك القيود اللوجستية فيما يتعلق بالإنتاج والتوزيع للسلع المادية. ومع تكيف الشركات والحكومات مع الظروف التي تفرضها الجائحة، من غير المرجح أن نرى نفس القيود كما في السابق، حتى لو تم تشديد موجات جديدة من إجراءات التباعد الاجتماعي وعمليات الإغلاق في أوروبا والولايات المتحدة.
وبشكل عام، من المقرر أن تواصل التجارة العالمية انتعاشها حتى العام القادم 2021. ومن المرجح أن تكون التأثيرات المعاكسة قصيرة الأجل ومحدودة، بسبب الطرح السريع المتوقع للقاحات كوفيد-19 واحتواء التأثيرات السلبية لعمليات الإغلاق وإجراءات التباعد الاجتماعي على التجارة العالمية.
يمكنك أيضاً تنزيل نسخة PDF من التقرير عربي و English