يستمر الضعف في توقعات نمو الاقتصاد العالمي. وفي الواقع، تغيرت توقعات بلومبيرغ الإجماعية للنمو العالمي في عام 2019 من 3.6 % في الربع الرابع من عام 2018 إلى 3.3 % في وقت كتابة هذا التقرير. وبالمثل، قام صندوق النقد الدولي بتعديل توقعاته للنمو العالمي في عام 2019 مرتين منذ أكتوبر 2018، من 3.7% إلى 3.3%. والأهم من ذلك هو أن المؤشرات الرئيسية للطلب العالمي تستمر في التدهور والابتعاد عن المعدلات المرتفعة التي بلغتها في 2017-2018. فقد تحول مؤشر مديري المشتريات الصناعي العالمي (IHS Markit) مؤخراً إلى منطقة الانكماش (أقل من 50 علامة) لأول مرة منذ أكثر من ثلاث سنوات.
ومع ذلك، تحسنت معنويات السوق في عام 2019. وتشير أسواق الأسهم ومقاييس تقلب الأسعار، والمعايير الرئيسية لمعنويات المستثمرين، إلى وجود بيئة أكثر اعتدالاً في وقت كتابة هذا التقرير مقارنة بأواخر عام 2018. وفي الحقيقة، ارتفع مؤشر MSCI All Country World Index - وهو مؤشر مرجح بالتعويم للأسهم المتاحة للتداول من الأسواق المتقدمة والناشئة- بنسبة 15% حتى الآن خلال هذا العام، متخطياً خسائر العام الماضي. علاوة على ذلك، فإن مؤشر تقلب الأسعار في بورصة شيكاغو لعقود الخيارات (مؤشر VIX)، وهو "أداة قياس الخوف" التقليدية للأسواق، ويتحرك في الاتجاه المعاكس لمعنويات المستثمرين، قد تراجع بشكل كبير مع انخفاض بنسبة 40% في العام حتى تاريخه.
كان العامل الرئيسي وراء هذا التباين بين أوضاع الاقتصاد الكلي ومزاج السوق هو ما يطلق عليه "الموقف المهادن" لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، أي التحول الملموس من التشديد المضطرد للسياسة النقدية في الولايات المتحدة إلى توقف كامل عن زيادة أسعار الفائدة مع إمكانية خفضها في المستقبل المنظور. ومع بدء أسواق السندات في توقع جولات من الخفض القوي لأسعار الفائدة خلال الأرباع المقبلة، يتجه المستثمرون إلى قبول مزيد من مخاطر السوق.
لكن، من المعروف أن معنويات السوق تظل عرضة للتغيرات المفاجئة، خصوصاً في سياق تباطؤ النمو العالمي. زيادة على ذلك، يوجد عدد كبير من المخاطر السياسية المرتفعة والمتزايدة التي من شأنها أن تؤدي إلى حدوث صدمات كبيرة قد ينتج عنها تحول في معنويات السوق ومزيد من التدهور في أوضاع الاقتصاد الكلي. ويبحث تحليلنا في أكثر ثلاثة مخاطر سياسية تأثيراً على الاقتصاد وكيف يمكنها إحداث صدمة سلبية للاقتصاد العالمي.
أولاً، ساءت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين أكثر مؤخراً مع قيام الولايات المتحدة بزيادة الرسوم الجمركية من 10% إلى 25% على ما قيمته 200 مليار دولار أمريكي من السلع الصينية المستوردة. وردّت الصين على هذا الإجراء بفرض رسوم جمركية على ما قيمته 60 مليار دولار من السلع الأمريكية المستوردة. وبدأ هذا النزاع في التحول بسرعة إلى خلافات اقتصادية أوسع مع اتخاذ كلا الطرفين إجراءات حمائية ثنائية غير جمركية كالتحركات الأمريكية ضد العملاق الصيني هواوي والتهديدات الصينية المبطنة لوقف تصدير المواد الخام الاستراتيجية كالمعادن النادرة إلى الولايات المتحدة.
أولاً، ساءت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين أكثر مؤخراً مع قيام الولايات المتحدة بزيادة الرسوم الجمركية من 10% إلى 25% على ما قيمته 200 مليار دولار أمريكي من السلع الصينية المستوردة. وردّت الصين على هذا الإجراء بفرض رسوم جمركية على ما قيمته 60 مليار دولار من السلع الأمريكية المستوردة. وبدأ هذا النزاع في التحول بسرعة إلى خلافات اقتصادية أوسع مع اتخاذ كلا الطرفين إجراءات حمائية ثنائية غير جمركية كالتحركات الأمريكية ضد العملاق الصيني هواوي والتهديدات الصينية المبطنة لوقف تصدير المواد الخام الاستراتيجية كالمعادن النادرة إلى الولايات المتحدة.
وقد تشهد الأوضاع مزيداً من التصعيد في حال أقدمت الولايات المتحدة على فرض رسوم إضافية على كافة الواردات المتبقية القادمة من الصين (البالغ قيمتها نحو 600 مليار دولار أمريكي). وإذا حدث ذلك، من المرجح أن تتراجع معنويات السوق، مما سيؤدي إلى تزايد عمليات تجنب المخاطرة، وهو ما من شأنه أن يقود إلى تشديد الأوضاع المالية العالمية. وعلاوة على ذلك، ستؤدي تلك الصدمة إلى تعطيل سلاسل التوريد العالمية وستؤثر على المداخيل الحقيقية وعلى أرباح الشركات في كل من الولايات المتحدة والصين.
ثانياً، تتصاعد المخاطر المرتبطة بالنزاعات التجارية العالمية بين الولايات المتحدة وشركائها الرئيسيين الآخرين مثل المكسيك والاتحاد الأوروبي. وقد هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخراً بفرض رسوم جمركية على المكسيك لإجبارها على منع الهجرة إلى الولايات المتحدة من دول أمريكا الوسطى الأخرى عبر المكسيك. وبالإضافة إلى ذلك، يُنظر إلى الاتحاد الأوروبي كوجهة مستهدفة محتملة للتعريفات الأمريكية على واردات السيارات. وإذا تم فرض تعريفات تجارية كبيرة على المكسيك أو الاتحاد الأوروبي أو أي شريك تجاري آخر للولايات المتحدة، من المرجح أن تتدهور المعنويات بشكل حاد بفعل التوسع المحتمل للمخاطر التجارية الذي يتجاوز النزاعات الأمريكية الصينية بكثير.
ثالثاً، تشكل الشكوك المرتبطة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (المرتبطة بإطار الخروج الرسمي للمملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي) عائقاً دائماً أمام الاقتصاد البريطاني وأزمة في اقتصاد الاتحاد الأوروبي. وقد ازدادت مخاطر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشكل غير منظم بعد أن تم رفض ثلاثة مقترحات مختلفة من "صفقات خروج بريطانيا من الاتحاد" من قبل البرلمان البريطاني. وبعد عدة تأجيلات، أصبح الموعد النهائي الرسمي الجديد للخروج هو نهاية أكتوبر 2019. إن أي خروج عنيف أو غير منظم لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكون فيه ضربة قوية لاقتصاد المملكة المتحدة وسيولد صدمات سياسية واقتصادية في الاتحاد الأوروبي.
وبشكل عام، وبغض النظر عن التساهل الذي يبديه بنك الاحتياطي الفيدرالي، فإن ضعف الطلب العالمي والمخاطر السياسية القائمة سوف يخلقان بيئة صعبة للمستثمرين.
يمكنك أيضاً تنزيل نسخة PDF من التقرير عربي و English