ظلت الصين لسنوات إحدى أهم محركات النمو للاقتصاد العالمي. في الواقع، بلغ توسع الاقتصاد الصيني أكثر من 40% من إجمالي النمو العالمي على مدى السنوات العشر الماضية. مؤخراً ومع توجه العالم إلى مرحلة التعافي الاقتصادي بعد الجائحة، استمرت الصين في لعب دور قيادي. فبعد الانهيار المفاجئ في الطلب والنشاط في الربع الأول من عام 2020، عندما تقلص الناتج المحلي الإجمالي للصين بنسبة 6.8% على أساس سنوي، حققت البلاد تعافياً مذهلاً.
وفقاً لصندوق النقد الدولي، تشير التقديرات إلى أن الصين كانت الاقتصاد الكبير الوحيد الذي سجل نمواً إيجابياً في الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي. علاوة على ذلك، من المتوقع أن يستمر الزخم الإيجابي من الأرباع القليلة الماضية، ومن المرتقب أن تحقق البلاد أداءً هاماً في عام 2021، مع توسع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 8.1%. لذلك، لن تتفوق الصين فقط على الاقتصادات الرئيسية لمجموعة الدول السبع (الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا وكندا) بل ستتفوق أيضاً على اقتصادات الأسواق الناشئة الحيوية في مجموعة الآسيان -5 (إندونيسيا وتايلاند وماليزيا والفلبين وفيتنام).
يمكن تفسير القوة الاقتصادية للصين من خلال عدة عوامل، بما في ذلك القدرة المتميزة في التعامل مع الأزمة الصحية من خلال عمليات الاختبار الشاملة، وتتبع حالات الإصابة بالفيروس، وإجراءات التباعد الاجتماعي الفعالة، بالإضافة إلى صمود قطاع الصادرات الذي كان مدفوعاً بالطلب القوي على الأدوية، ومعدات الحماية الشخصية، والأجهزة الإلكترونية اللازمة للعمل من المنزل.
وكان من بين العناصر الرئيسية الأخرى في التعافي الصيني، سياسة التحفيز الهائلة التي تم إطلاقها العام الماضي. وأصبحت السياسات المالية ذات أهمية قصوى. وقررت الحكومة تعزيز النمو العقاري والاستثمار في البنية التحتية العامة من أجل تعويض التداعيات السلبية لأزمة كوفيد-19 على استهلاك الأسر والاستثمارات الخاصة. على هذا النحو، ارتفع عجز القطاع العام ليصل إلى 16% من الناتج المحلي الإجمالي للصين في عام 2020.
في حين كانت الاستثمارات العامة مهمة لدعم الاقتصاد خلال الجائحة، إلا أنها لا يُتوقع أن تكون مصدراً مستداماً للنمو طويل الأجل. فالبنية التحتية في الصين متطورة للغاية وتميل الاستثمارات الإضافية في هذا القطاع إلى أن تكون أقل كفاءة، وغالباً ما تساهم في خلق مستويات غير ملائمة من المديونية والطاقة الزائدة. وبالتالي، تحرص السلطات الاقتصادية على البحث عن عوامل جديدة محركة للنمو وتعزيزها.
مستقبلاً، نتوقع أن نرى عاملين جديدين محركين للنمو في الصين.
أولاً، مع رفع القيود المرتبطة بكوفيد-19 واستئناف السفر الداخلي بين المقاطعات الصينية، سيتمكن العمال المهاجرون مجدداً من التنقل بسهولة أكبر بحثاً عن وظائف في مناطق حضرية ذات رواتب أعلى. وهذا من شأنه أن يدعم الانتعاش في الاستهلاك المحلي ويخفف من نقص العمالة في بعض المناطق الحضرية، مما يشكل عوامل مساعدة لقطاعي التجزئة والتصنيع.
وثانياً، سيعزز "الانفتاح العالمي الكبير بعد الوباء" الصادرات الصينية، حيث سيعوض تزايد الطلب على المنتجات الاستهلاكية العامة عن أي تراجع في الطلب على السلع المرتبطة بكوفيد-19.
ومن المتوقع أن تدعم هذه العوامل الجديدة الدافعة للنمو القطاعات الأضعف في السوق الصينية، مما يسمح للسلطات الاقتصادية بتشديد تدابير التيسير تدريجياً. وفي عام 2021، من المتوقع أن يتقلص عجز القطاع العام بنسبة 13.3% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما سيكون خطوة نحو "تطبيع" السياسة الاقتصادية.
بشكل عام، مع وجود عوامل جديدة دافعة للنمو وتقليص سياسات التحفيز، من المرجح أن يستمر تعافي الاقتصاد الصيني. ونتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي للصين بنسبة 8.1% في عام 2021 وبأكثر من 6% في السنوات اللاحقة، مما يساهم في تعزيز النشاط الاقتصادي العالمي.
يمكنك أيضاً تنزيل نسخة PDF من التقرير عربي و English