يمكنك أيضاً تنزيل نسخة PDF من التقرير عربي و English
دخلت المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين فجأة في نفق مظلم، حيث أقدمت الولايات المتحدة على زيادة الرسوم الجمركية المفروضة على ما قيمته 200 مليار دولار أمريكي من واردات السلع الصينية من 10% إلى 25%. وأدت هذه الخطوة إلى كسر "الهدنة" التجارية التي توصل إليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الصيني، وهي بمثابة تصعيد للتدابير الأخرى التي فرضتها الولايات المتحدة على الصين في العام الماضي، والتي تضمنت فرض رسوم على ألواح الطاقة الشمسية والغسالات والحديد والألمنيوم، وعلى ما قيمته 50 مليار دولار أمريكي من السلع الأخرى. وقد ردت الصين بفرض رسوم على ما قيمته 60 مليار دولار أمريكي من واردات السلع الأمريكية، في تصعيد للتدابير الانتقامية التي اتخذتها سابقاً. وقد تشهد الأوضاع تصعيداً إضافياً، حيث تهدد الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية إضافية على كافة الواردات الصينية المتبقية (البالغ قيمتها نحو 300 مليار دولار أمريكي).
يتناول تحليلنا القنوات الرئيسية التي يُتوقع أن ينتقل من خلالها تأثير الرسوم الجمركية إلى كل من الولايات المتحدة والصين، والتي تشمل صافي الصادرات والدخل الحقيقي والأوضاع المالية.
أولاً، سوف تؤثر زيادة الرسوم الجمركية على صافي صادرات كلا البلدين. وسيحدث ذلك من خلال خسائر الصادرات وتراجع الواردات، حيث يؤدي فرض الرسوم الجمركية إلى إضعاف تنافسية الصادرات وتحويل الطلب جزئياً إلى السلع المنتجة محلياً. وفي هذا الصدد وبالنظر لحجم التعرض التجاري المباشر، يوجد تفاوت كبير بين الولايات المتحدة والصين. ففي حين تشكل الصادرات الأمريكية إلى الصين والواردات الأمريكية من الصين 0.9% و2.7% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي على التوالي، تشكل صادرات الصين للولايات المتحدة ووارداتها من الولايات المتحدة 3.5% و1.1% من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي. ونظراً لهذا التفاوت النسبي في تركيبة التبادلات التجارية بين البلدين، فإن الولايات المتحدة ستتأثر بدرجة أقل بالخسائر في الصادرات وستستفيد بدرجة أكبر من تعويض الواردات.
ثانياً، تؤثر الرسوم الجمركية بشكل مباشر وغير مباشر على الأسعار وذلك من خلال زيادة معدلات التضخم في ظل تراجع الدخل الحقيقي. وتعد تأثيرات الرسوم الجمركية على التضخم صغيرة نسبياً ومؤقتة في أغلب الأحيان، لكنها أكثر بكثير في الولايات المتحدة بالمقارنة مع الصين، نظراً لصغر حجم واردات الصين من الولايات المتحدة. ووفقاً لآخر أبحاث المكتب القومي الأمريكي للأبحاث الاقتصادية، تحملت الأعمال التجارية والأسر الأمريكية القدر الأكبر من تكاليف زيادة الرسوم الجمركية حتى الآن. وفي الواقع، يُظهر التحليل الدقيق لأحجام التبادل التجاري الأمريكي ومعدلات الأسعار أن أسعار الواردات الصينية المتأثرة بزيادة الرسوم الجمركية لم تتراجع، بمعنى أن الشركات والمستهلكين الأمريكيين هم من تحمل عبء التكاليف الناتجة عن زيادة الرسوم وليس المصدرين الصينيين. وبالإضافة إلى ذلك، فإن التكاليف الناتجة عن زيادة الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية تنتقل إلى أسعار المنتجات من السلع غير الصينية الخاضعة للتعريفات، وذلك يشير إلى أن المصدرين من دول أخرى ينتهزون الفرصة لتوسيع هوامش ربحهم على حساب الأشخاص المقيمين في الولايات المتحدة. وتعمل التعريفات الجمركية حالياً على دعم التضخم الأساسي بحوالي 20 نقطة أساس في الولايات المتحدة. وتجدر الإشارة إلى أن هذا التأثير سيتزايد في حال قررت الولايات المتحدة فرض تعريفات إضافية. وتشكل السلع الاستهلاكية 15% فقط من جميع الواردات التي فُرضت عليها تعريفات حتى الآن، ولكنها تبلغ حوالي 60% من الواردات المتبقية من الصين. وفي حال تصعيد الحرب التجارية، سيستمر تأثير التعريفات على التضخم لمدة أطول ومن المرجع أن يرتفع بواقع 35 نقطة أساس أخرى، مما سينتج عنه خسائر في الدخل الحقيقي بنهاية المطاف.
ثالثاً، تؤدي التعريفات الإضافية والأخبار السيئة المتعلقة بالمفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين عادة إلى تدهور في المعنويات وهو ما قد يؤدي إلى تشديد في الأوضاع المالية، أي تراجع أسعار الأسهم وارتفاع هوامش الائتمان ونقص في الائتمان. منذ أن بدأت علامات تعثر المفاوضات في بداية مايو 2019، انخفض مؤشر S&P 500 الأمريكي ومؤشر شانغهاي للأوراق المالية بنسبة 3.6% و5.6% على التوالي. وبدأت موجة من تجنب المخاطر مع توسع هوامش الائتمان وتشديد الأوضاع المالية بشكل عام. وإذا استمر هذا الحال، من المحتمل أن تكون التأثيرات على النمو كبيرة، خاصةً بالنظر إلى أهمية قناة الثروة في الولايات المتحدة والائتمان في الصين.
وبشكل عام، تؤثر حرب التعريفات التجارية بين الولايات المتحدة والصين سلبًا على كلا الاقتصادين عبر قنوات مختلفة. تتأثر الصين أكثر بالقناة التجارية المباشرة بينما تتأثر الولايات المتحدة أكثر بقناتي الدخل الحقيقي والوضع المالي. وتشير الأحداث الأخيرة إلى أن التوصل إلى صفقة تجارية أوسع أمر مستبعد إلى حد ما. لكن التأثيرات السلبية لتصاعد النزاع الاقتصادي قد يجبر كلا الطرفين على التوصل إلى اتفاق مصغر أو أولي. وقد تكون قمة العشرين التي ستعقد في أوساكا في اليابان يومي 28 و29 يونيو فرصة مناسبة لفهم المزيد من المؤشرات حول اتجاه المناقشات الثنائية حيث من المتوقع أن يجتمع الرئيسان ترامب وشي. الرهانات كبيرة ومن المرجح أن تكون أي نتيجة إيجابية داعمة للاقتصاد العالمي الذي يواجه بالفعل تباطؤًا كبيرًا وعقبات سياسية متعددة.