انخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في منطقة اليورو إلى 1.1% فقط على أساس سنوي في الربع الثاني من عام 2019، وهي أبطأ وتيرة للنمو منذ عام 2014 عندما بدأت منطقة اليورو في التعافي من أزمة الديون السيادية. وقد لفتنا الانتباه إلى ضعف النمو الاقتصادي في منطقة اليورو العام الماضي. استمر هذا الضعف وأجبر البنك المركزي الأوروبي على التخلي عن مواصلة تطبيع السياسة . والآن، على الرغم من القيود المختلفة، نعتقد بأن البنك المركزي الأوروبي يعمل على إعداد حزمة شاملة من الحوافز النقدية التي سيتم الإعلان عنها في اجتماع سبتمبر.
سوف نتطرق هنا إلى التباين في الأداء الاقتصادي داخل منطقة اليورو. أولاً، سننظر في التباين بين قطاعي الصناعة والخدمات، ثم إلى الاختلاف بين البلدان الأساسية (مثل فرنسا وألمانيا) والبلدان الطرفية (مثل إسبانيا وإيطاليا).
يعد مؤشر مديري المشتريات أحد أكثر المؤشرات الرائدة استخداماً في قياس النشاط الاقتصادي. ويستند هذا المؤشر إلى استبيانات يتم ارسالها إلى مديري عدد كبير من الشركات على نطاق قطاعات الاقتصاد. ويطلب من هؤلاء المديرين تقييم آفاق الاقتصاد للأشهر الثلاثة القادمة بالمقارنة مع الأشهر الثلاثة السابقة. ثم يتم تجميع الردود على الاستبيان فيما يعرف باسم مؤشر الانتشار. إذا جاء حاصل الأرقام فوق 50، فهو يشير إلى نمو الإنتاج، أما إذا كان أقل من 50، فهو دليل على تراجعه.
انخفض مؤشر مديري المشتريات الصناعي لمنطقة اليورو ككل أكثر تحت مستوى الـ 50، مسجلاً 46.5 في يوليو ، مما يشير إلى انكماش في القطاع الصناعي. وبلغ مؤشر مديري المشتريات الصناعي لمنطقة اليورو ذروته عند أعلى من 60 في ديسمبر 2017، حيث كان القطاع مدفوعاً بمزيج إيجابي من نمو قوي في الطلب العالمي وضعف في العملة (بلغ متوسط سعر اليورو 1.10 دولار فقط لكل يورو واحد بين الفترة من أبريل 2015 إلى أبريل 2017). غير أن التصعيد المستمر في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وارتفاع قيمة العملة (ارتفع سعر اليورو إلى 1.16 دولار في المتوسط منذ مايو 2017) قد وضعا حداً لنمو القطاع الصناعي في منطقة اليورو. كما جاءت تأثيرات سلبية أخرى من تشديد معايير الانبعاثات ومخاطر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بدون صفقة". وكانت المحصلة النهائية هي تحول القطاع الصناعي، الذي كان محركاً للنمو في منطقة اليورو، إلى عامل معيق بعض الشيء للاقتصاد كلما وقعت حرب تجارية بين اثنين من أكبر عملائها.
انتعشت أسواق العمل في جميع أنحاء منطقة اليورو بشكل أو بآخر من المستوى الضعيف الذي كانت عليه خلال أزمة الديون السيادية، ومع ذلك فإن التباين بين دول المنطقة واضح، حيث لا تزال البلدان الطرفية أضعف بكثير من البلدان الأساسية (الرسم البياني 1).
وقد أتاحت هذه القوة في سوق العمل نمو الأجور بأسرع معدل لها في عقد من الزمن ودعم الطلب المحلي في منطقة اليورو. ويميل الطلب المحلي نحو الخدمات، وهو ما أبقى مؤشر مديري المشتريات في قطاع الخدمات فوق 50 عند 53.1 في يوليو، الأمر الذي يشير إلى استمرار النمو. وعلى الرغم من ذلك، فإن هناك علامات مبكرة على أن الضعف في القطاع الصناعي قد بدأ في إضعاف الطلب المحلي والخدمات.
لقد رأينا مسبقاً التباين في معدلات البطالة في بلدان منطقة اليورو، لكن هذا التباين يظهر أيضاً في نمو الاقتصاد ككل. أسوأ الاقتصادات أداءً من بين الأربعة الكبار في منطقة اليورو هي إيطاليا، التي تعاني من مشاكل هيكلية عميقة ومستويات مرتفعة للغاية من الدين الحكومي. الاقتصاد الإيطالي هو الاقتصاد الرئيسي الوحيد في منطقة اليورو الذي لا يزال إنتاجه أقل مما كان عليه قبل الأزمة المالية العالمية لعام 2009 (الرسم البياني 2). في الواقع، لا تزال إيطاليا هي الأسوأ أداءً في اقتصادات منطقة اليورو الأربعة الكبرى، مع نمو صفري حتى الآن في عام 2019.
البلد الآخر الكبير في منطقة اليورو والذي عانى من أزمة الديون السيادية عام 2013 كان إسبانيا، حيث تكمن المشكلة الرئيسية في البطالة المزمنة وخاصة بطالة الشباب (الرسم البياني 1). لكن، دخلت إسبانيا في الأزمة المالية العالمية لعام 2009 بأدنى مستوى من الديون الحكومية مقارنة بالاقتصادات الأربعة الكبرى، مما ساعد على منع ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي فوق 100%. بالإضافة إلى ذلك، أدت الإصلاحات الهيكلية وإعادة رسملة نظامها المصرفي المتعثر خلال أزمة الديون السيادية لعام 2013 إلى دعم الانتعاش المثير للإعجاب في الاقتصاد الإسباني. وقد عاد حالياً الناتج المحلي الإجمالي إلى مستوى ما قبل الأزمة المالية العالمية لعام 2009 (الرسم البياني 2)، والاقتصاد الإسباني حالياً هو الوحيد من بين الاقتصادات الأربعة الكبرى الذي ينمو بمعدل يفوق 2% على أساس سنوي.
لا يخلو الاقتصاد الفرنسي من المشاكل، ولكنه ظل إلى حد بعيد الأكثر استقراراً من بين الاقتصادات الأربعة الكبرى، مع أداء أعلى من المتوسط بقليل بجميع المقاييس التي نستخدمها هنا (الرسم البياني 1 و2).
يبرز الاقتصاد الألماني باعتباره الأفضل أداءً بين الاقتصادات الأربعة الكبرى، وذلك بفضل قطاع الصناعات التحويلية ذي المستوى العالمي. أصبح الاقتصاد الألماني الآن أكبر بنسبة 15% مما كان عليه في عام 2007 (الرسم البياني 2)، ولا يتعدى معدل البطالة حاليا 3.1% (الرسم البياني 1)، ويمكن للحكومة الألمانية الاقتراض بفعالية بمعدل فائدة صفر على مدى السنوات العشر المقبلة. كل هذا جيد، لكن الاقتصاد الألماني هو أكثر الاقتصادات الأربعة الكبرى عرضة للضعف في الطلب الخارجي الذي نشهده نتيجة للحرب التجارية.
هذا التباين في الأداء في منطقة اليورو يمثل مشكلة حقيقية لصناع السياسة والبنك المركزي الأوروبي بشكل خاص. يتسبب هذا الوضع في إحداث عدد من القيود على قدرة البنك المركزي الأوروبي على تنفيذ السياسة النقدية المناسبة لمنطقة اليورو ككل. فعلى سبيل المثال، لا يوجد ما يكفي من ديون عند الحكومة الألمانية يمكن للبنك المركزي الأوروبي شراؤها، في حين يوجد كثير من الديون الإيطالية. ومن الحتمي أن الألمان الذين يعملون بجد يترددون في تحمل عبء الديون الإيطالية.
يمكنك أيضاً تنزيل نسخة PDF من التقرير عربي و English