كانت أسواق السندات متقلبة بشكل خاص خلال الأيام الأخيرة. في الواقع، وعلى مدار الـ 72 ساعة من 30 يوليو إلى 1 أغسطس، تأرجحت توقعات السوق بشكل كبير حيال المسار المستقبلي لأسعار الفائدة الأمريكية. وغرضنا في هذا المقال هو توضيح هذه الحركات من خلال تحليل المد والجزر في سياسات بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والتوترات التجارية.
جاءت الحركة الأولى عقب اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة بتاريخ 30-31 يوليو، حيث تم تخفيض أسعار الفائدة لأول مرة منذ أكثر من 10 سنوات. وتم تعديل سعر الفائدة المستهدف على الأموال الفيدرالية بالتخفيض بنسبة 25 نقطة أساس إلى 2.00 / 2.25%. كما قررت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة أيضاً إنهاء تطبيع الميزانية العمومية، أو التشديد الكمي، مبكراً قبل شهرين من الموعد المحدد. وشملت الأسباب الرسمية لتبرير هذه الإجراءات تباطؤ النمو العالمي، وعدم اليقين بشأن السياسات التجارية، وضعف الضغوط التضخمية وتوقعات التضخم، وضعف بيانات التصنيع الأمريكية.
على الرغم من قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي، فسرت الأسواق البيان الرسمي للبنك على أنه "متشدد بشكل معتدل". وبعد اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، تراجعت ثقة السوق في حدوث تخفيضات كبيرة في أسعار الفائدة مع تراجع كبير في الاحتمال الضمني لخفض أسعار الفائدة على الأموال الفيدرالية (انظر الرسم البياني). وقد تراجع احتمال خفض أسعار الفائدة في الاجتماعات القادمة للجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في سبتمبر وأكتوبر وديسمبر من 100% إلى 62.7% و78.7% و85.1% على التوالي. نتيجة لذلك، تعززت قيمة الدولار الأمريكي وزاد تقوس منحنى عوائد السندات الأمريكية.
أدى عاملان إلى قيام السوق بإعادة التسعير على أساس أسعار الفائدة المعلنة من قبل بنك الاحتياطي على النحو المذكور. أولاً، ونظراً لأن الأفعال تتحدث بصوت أعلى من الكلمات، فقد خفضت اللجنة الفيدرالية أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس فقط بدلاً من 50 نقطة أساس التي توقعها بعض مديري السندات الأكثر تفاؤلاً. ثانياً، اللغة المستخدمة في كل من البيان الرسمي والمؤتمر الصحفي لم تكن توحي بتساهل كبير في موقف بنك الاحتياطي الفيدرالي. وقد وصف البيان تخفيض سعر الفائدة بأنه "تعديل منتصف الدورة" وليس بداية دورة من التخفيف، كما تم تخفيف الإشارة إلى الإجراءات المستقبلية والحاجة إلى مراقبة البيانات الواردة. وقد تأكدّ هذا أكثر بعدم وجود إجماع داخل بنك الاحتياطي الفيدرالي حول كيفية المضي قدماً في هذا المنعطف. فقد عارض العديد من محافظي بنوك الاحتياطي الإقليمية الخفض الأخير لسعر الفائدة.
في رأينا، لم تسفر الردود الأولية للسوق على نتائج اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة عن تشديد غير منظم في أوضاع السوق المالية. وذلك كان من شأنه أن يمنح بنك الاحتياطي الفيدرالي المزيد من المرونة لضبط السياسة المالية على أساس البيانات.
إلا أن قرار الرئيس ترامب بإعادة تصعيد الخلافات التجارية مع الصين غير التوقعات بالكامل. فبعد أقل من 24 ساعة من اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، أعلن ترامب عن فرض وشيك لرسوم جمركية نسبتها 10% على ما قيمته 300 مليار دولار أمريكي من الصادرات الصينية المتبقية إلى الولايات المتحدة والتي لم تُفرض عليها تعريفات بعد. وتدهورت المعنويات على الفور إضافة إلى ارتفاع الطلب على أصول الملاذات الآمنة وتشدد أوضاع السوق المالية. واستجابت أسواق السندات فوراً بتحريك أسعارها على أساس توقعات بحدوث تخفيضات حادة لأسعار الفائدة، في خطوة مغايرة للرد الأولي على اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة.
وتعتبر التطورات الأخيرة في مجال التجارة عاملاً سلبياً رئيسياً. فالثقة في المفاوضات الثنائية التجارية بين الولايات المتحدة والصين تتراجع، كما تتضاءل بسرعة فرص التوصل إلى اتفاق مؤقت. ويعتبر هذا الجانب إلى حد كبير منطقة مجهولة لبنك الاحتياطي الفيدرالي. فقد ذكر رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول: "... (حروب) التجارة جانب غير مألوف. وتكمن المشكلة في عدم وجود خبرة كبيرة في الاستجابة للتوترات التجارية العالمية. وعليه، فإنها قضية لم نواجهها من قبل ونتعلم التعامل معها من خلال الممارسة. وهو لا يشبه تماماً متابعة النمو العالمي، حيث ترى النمو يضعف، وترى البنوك المركزية والحكومات ترد من خلال السياسة المالية، ثم ترى النمو يرتفع على نسق دورة الأعمال. لكن الأمر مختلف مع التوترات التجارية، التي تؤثر بشكل كبير على أوضاع السوق والاقتصاد، فهي تتطور بطريقة مختلفة وعلينا متابعتها."
في رأينا، سيستمر تصاعد التوتر التجاري في التأثير على المعنويات وظروف السوق المالية المتشددة، أي زيادة المستوى العام للتوتر في أسواق المال والسندات والأسهم. لذا سيتعين على بنك الاحتياط الفيدرالي الاستجابة لهذه الأوضاع من خلال تسهيل السياسة النقدية. وفي وقت كتابة هذا التقرير، نعتقد أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سوف يخفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في الفترة المتبقية من عام 2019. لكن ميزان المخاطر يميل الآن إلى الجانب السلبي، ومن المرجح أن تزداد البيئة سوءاً لا أن تتحسن. وإذا اتسعت النزاعات التجارية إلى حروب في العملة وما سواها، فستكون هناك حاجة لجرعات كبيرة من التحفيز النقدي، بما في ذلك إجراء تخفيض أكثر حدة في سعر الفائدة نحو حد الصفر وإعادة إطلاق برامج شراء الأصول أو التيسير الكمي.
يمكنك أيضاً تنزيل نسخة PDF من التقرير عربي و English