يصارع البنك المركزي الأوروبي لتحقيق معدل تضخم مستهدف يقل عن نسبة 2% ولكن قريب منها. وقد خيب البنك آمال الأسواق في اجتماعه بتاريخ 6 يونيو بسبب قيامه فقط بتمديد "الارشادات الاستشرافية" لمدة 6 أشهر، مع الوعد بعدم زيادة أسعار الفائدة قبل منتصف 2020. ولم يحدث البنك تغييراً في أسعار إعادة التمويل الرئيسية، والتي لا تزال عند مستوى الصفر، ولا في سعر الفائدة على الودائع، الذي لازال عند -0.4%.
وفي الواقع، فإن البنك المركزي الأوروبي محشور حالياً بين "مطرقة" التضخم المنخفض و"سندان" التعقيدات والقيود التي تحد من قدرته على القيام مجدداً بتقديم حوافز كبيرة من التسهيلات النقدية.
يعود انخفاض معدل التضخم في منطقة اليورو إلى مزيج من المعوقات العالمية التي تواجه الاقتصاد وإلى تراجع أسعار النفط. وفي نفس الوقت، فإن المساحة المتاحة للبنك المركزي الأوروبي للتحرك مقيدة بالحدود المفروضة على عمليات شراء الأصول والمخاوف بشأن ربحية البنوك.
لقد أدى التصعيد الأخير للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين بالتضافر مع ضعف البيانات الاقتصادية الأمريكية إلى ترويع الأسواق المالية. فبمطلع شهر يونيو، انخفض مؤشر S&P 500 بنسبة 7% وسعر خام برنت بنسبة 18% عن ذروته في أبريل 2019. ورداً على هذه المعوقات العالمية، لجأت الأسواق إلى تحديد أسعارها بافتراض أن يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بإجراء تخفيضين على الأقل لأسعار الفائدة بنهاية عام 2019.
وأدت المعيقات العالمية وتراجع أسعار النفط إلى انخفاض التضخم في منطقة اليورو إلى 1.2% في مايو (انظر الرسم البياني). وبلغ معدل التضخم أقل من 1.3% خلال السنوات العشر الأخيرة. ويتوقع البنك المركزي الأوروبي نفسه أن يصل معدل التضخم إلى مستوى 1.6% فقط بحلول 2021.
وقد انخفضت توقعات السوق بشأن التضخم في منطقة اليورو خلال الخمس إلى عشر سنوات القادمة إلى ما دون 1.3%. وفي آخر مرة تراجعت فيها التوقعات إلى هذا المستوى في عام 2016، أطلق البنك المركزي الأوروبي تحفيزات نقدية قوية. لكنه يواجه حالياً عدداً من التعقيدات والقيود السياسية التي تحد من قدرته على إطلاق المزيد من التيسير النقدي القوي.
إن أول هذه القيود السياسية التي تواجه البنك المركزي الأوروبي هو تباين المواقف حيال السياسية المالية في أوروبا. ففي حين تطبق إيطاليا سياسة مالية مخففة بشكل كبير، تتبنى ألمانيا سياسة مالية متشددة جداً. وقد أدى نقص التحفيزات المالية في أوروبا إلى وضع مسؤولية تحفيز اقتصاد منطقة اليورو، وبالتالي دعم التضخم، على عاتق البنك المركزي الأوروبي. وبالفعل، لعب دراغي لعبة مثيرة، في البيان الذي تلا الاجتماع، بمحاولته ربط أي زيادة إضافية في برنامج البنك المركزي الأوروبي من مشتريات الأصول البالغ 2.6 تريليون يورو بالتحفيزات المالية من قبل حكومات منطقة اليورو.
يتمثل العائق السياسي الثاني أمام البنك المركزي الأوروبي في برنامجه الخاص بشراء الأصول، والذي يخشى البعض من تحوله لمجرد وسيلة لإجراء تحويلات مالية بين البلدان. وليس بمقدور البنك المركزي الأوروبي شراء أكثر من 50% من أي سند واحد أو أكثر من 50% من السندات الصادرة عن أي حكومة واحدة. في الواقع، من الصعب على البنك المركزي الأوروبي شراء أكثر من 33% من أي سند واحد لأن ذلك من شأنه أن يسمح له باعتراض القرارات في مفاوضات إعادة هيكلة الديون. وقد التزم البنك المركزي الأوروبي أيضاً بمحاولة شراء الأصول وفقًا للحصة التي تملكها كل دولة في رأس ماله. والنتيجة النهائية هي أن البنك المركزي الأوروبي غير قادر على تحفيز اقتصاد منطقة اليورو والتضخم من خلال التوسع في عمليات شراء الأصول.
ويتمثل أحد التعقيدات الأخرى في أنه من المقرر أن يترك ماريو دراغي منصبه كرئيس للبنك المركزي الأوروبي في نهاية شهر أكتوبر. ولذلك، فإن "الارشادات الاستشرافية" تنطوي بشكل ما على قيام دراغي بوضع سياسة خلفه. ويعتبر رئيس البنك المركزي الألماني، ينس ويدمان، أحد المرشحين لخلافة دراغي، وهو من المؤيدين لتشديد السياسة النقدية.
من المتوقع أن ينتظر البنك المركزي الأوروبي ليرى ما إذا كان بنك الاحتياطي الفيدرالي سوف يضطر إلى خفض سعر الفائدة. فإذا حدث ذلك، قد يحتاج البنك المركزي الأوروبي إلى استخدام قوي لمجموعة متنوعة من الأدوات: خفض أسعار الفائدة، وزيادة عمليات شراء الأصول، والتمويل المدعوم للإقراض المصرفي.
قد يتحرك بنك الاحتياطي الفيدرالي مبكراً في شهر يوليو، ولكن أمام دراغي مهلة لحين انعقاد اجتماع سبتمبر لتسليم ما لديه من الحوافز النقدية لمن سيخلفه، أياً كان ذلك الخلف.
يمكنك أيضاً تنزيل نسخة PDF من التقرير عربي و English