قام البنك المركزي الأوروبي برفع أسعار الفائدة الرسمية مرة أخرى في يونيو، مؤكداً من جديد دورة التشديد النقدي الأكثر صرامة على الإطلاق في جهوده لإعادة التضخم إلى المعدل المستهدف البالغ 2% على المدى المتوسط. منذ بداية الدورة في يوليو 2022، تراكمت الزيادات في أسعار الفائدة الرسمية بمقدار 400 نقطة أساس، مما رفع السعر الرئيسي لعمليات إعادة التمويل إلى 4.00%، وهو أعلى معدل منذ عام 2008. على الرغم من أنه من المتوقع أن تكون القرارات القادمة أكثر "توازناً" وتعتمد على البيانات الواردة، أعطى مجلس المحافظين إشارات على احتمال زيادات إضافية في الطريق، قبل أن يتحول إلى وضع "الانتظار والترقب" لتقييم تأثير دورة التشديد النقدي على الاقتصاد.
في هذا المقال، نقوم بتحليل ثلاثة عوامل رئيسية وراء قرار البنك المركزي الأوروبي الأخير، والإشارات بشأن زيادات إضافية محتملة في الاجتماعات القادمة.
التضخم في منطقة اليورو
أولاً، على الرغم من الانخفاض الكبير في معدل التضخم الكلي من الذروة التي بلغها في أكتوبر من العام الماضي، فإن التضخم الأساسي لا يزال مرتفعاً للغاية. يستثني التضخم الأساسي الأسعار المتعلقة بالسلع، والتي تحركها عوامل عالمية خارجية بدلاً من التطورات المحلية. يعتبر اتجاه التضخم الأساسي وثيق الصلة بشكل خاص بالسياسة النقدية لأنه يعكس آثار القرارات السابقة، ويقدم إشارات إلى أن رفع أسعار الفائدة له تأثير أساسي على نمو الأسعار.
بلغ معدل التضخم الكلي ذروته عند 10.6% في أكتوبر من عام 2022، وانخفض منذ ذلك الحين بمقدار 4.5 نقطة مئوية إلى 6.1% في مايو من هذا العام. يعد هذا الأمر تحسناً كبيراً، ولكن كما ناقشنا في مقال سابق، تم إرجاعه إلى حد كبير إلى انخفاض أسعار الطاقة، التي أصبحت أكثر استقراراً مؤخراً، وأصبح هامش المساهمة في الانخفاض في النمو الإجمالي للأسعار من خلالها أكثر محدودية. انخفض التضخم الأساسي، الذي يستثني العناصر الأكثر تقلباً مثل الطاقة والمنتجات الغذائية، بمقدار 0.4 نقطة مئوية فقط منذ بلوغ الذروة في مارس من هذا العام. وقد أدى استمرار هذا الارتفاع إلى قيام البنك المركزي الأوروبي بمراجعة توقعاته الخاصة بالتضخم الأساسي صعوداً، حيث يتوقع أن يصل الآن إلى 5.1% في عام 2023، مما يعني زيادة قدرها نصف نقطة مئوية مقارنة بالتوقعات السابقة المنشورة في مارس.
بالإضافة إلى ذلك، بالنسبة للبنك المركزي الأوروبي، لا يكفي فقط أن ينخفض التضخم، بل شدد على ضرورة رفع أسعار الفائدة إلى مستويات مقيدة بشكل كافٍ لضمان عودة التضخم إلى هدفه متوسط الأجل البالغ 2% في "الوقت المناسب".
ثانياً، يستمر ضيق أسواق العمل في رفع تكاليف العمالة وتوليد ضغوط تضخمية. ظل معدل البطالة ينخفض منذ بداية العام وبلغ 6.5% في أبريل، ليصل إلى أدنى مستوى تاريخي جديد. وتماشياً مع هذه الظروف المشددة، بلغ النمو في تكاليف وحدة العمالة معدلاً ينذر بالخطر بلغ 5.8% في الربع الأول من عام 2023، وهو أعلى بكثير من متوسط ما قبل الجائحة بنسبة 1.2% في الفترة بين 2015-2019. يعزز هذا الوضع الاتجاه التصاعدي في تكاليف العمالة، ويضيف المزيد من دواعي القلق.
مستقبلاً، من المتوقع أن يؤدي ضيق أسواق العمل جنباً إلى جنب مع الزيادات في الحد الأدنى للأجور إلى تأجيج نمو الأجور، والتي ستظل أكثر من ضعف متوسطها التاريخي لمعظم فترة التوقعات. هذا يعني أن تكاليف العمالة ستظل المحرك المهيمن للتضخم الأساسي، مما يشكل حجة إضافية للبنك المركزي الأوروبي لمواصلة تشديد أسعار الفائدة.
ثالثاً، على الرغم من تباطؤ الاقتصاد، يتوقع البنك المركزي الأوروبي أن يتعزز النشاط، وشدد على مرونة الاقتصاد في مواجهة الصدمات السلبية الكبيرة الأخيرة. يتوقع البنك المركزي أن يرتفع النمو في النشاط ويظل "قوياً" في النصف الثاني من العام، حيث يتلاشى تأثير اختناقات سلسلة الإمداد وصدمات الطاقة، ويتعافى الدخل الحقيقي مع نمو الأجور بشكل أسرع من التضخم الكلي. على خلفية هذه العوامل، يتوقع البنك المركزي الأوروبي أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.9% هذا العام، قبل أن يتسارع إلى 1.5% في عام 2024. وبالنظر إلى مرونة الاقتصاد، وغياب احتمال انكماش اقتصادي كبير في الأفق، فإن الميزان يميل إلى تفضيل زيادات إضافية في أسعار الفائدة من خلال القرارات القادمة.
بشكل عام، استند البنك المركزي الأوروبي في أحدث جولة له لرفع سعر الفائدة الرسمي إلى استمرار التضخم الأساسي، وتواصل ضغوط تكلفة العمالة، ومرونة الاقتصاد، مع الإشارة إلى احتمال حدوث المزيد من الزيادات في أسعار الفائدة، قبل توقف مؤقت يأخذ في الاعتبار التأخر في ظهور آثار السياسة النقدية.
يمكنك أيضاً تنزيل نسخة PDF من التقرير عربي و English