عاد موضوع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ("بريكست") إلى عناوين الأخبار الرئيسية حول العالم، فقد بدأ الوقت ينفد لأن الفترة الانتقالية المحددة لإكمال عملية الخروج ستنتهي في نهاية العام الحالي.
وقد زاد تفشي فيروس كورونا المستجد من صعوبة المفاوضات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، خاصةً في ظل الاضطرار لعقد هذه المفاوضات عبر مؤتمرات الفيديو. ولعل الأمر الأهم هو الاختلاف الجوهري بين الطرفين بشأن ثلاثة مواضيع رئيسية هي: تكافؤ الفرص، وصيد الأسماك، وكيفية إدارة الاتفاق.
الموضوع الرئيسي الأول هو مبدأ "تكافؤ الفرص" الذي يهدف إلى ضمان عدم حصول الشركات في كلا الجانبين على ميزة تنافسية غير عادلة أمام نظرائهم في الجانب الآخر. وهذه سمة مشتركة في كافة الاتفاقيات التجارية، ولكن الاتحاد الأوروبي يطالب بأن تظل المملكة المتحدة ملتزمةً بقوانينه الخاصة بحقوق العمالة واللوائح البيئية والدعم الحكومي المقدم للشركات على وجه التحديد. وفي المقابل، فإن موقف المملكة المتحدة يتمثل في أن الغرض الرئيسي من خروجها من الاتحاد هو التحرر من القوانين المشتركة التي تحكم المعايير البيئية وشروط العمل وغيرها من اللوائح.
ثانياً، يضغط الاتحاد الأوروبي للإبقاء على إمكانية وصول قوارب الصيد الخاصة به إلى مياه المملكة المتحدة مقابل احتفاظ المملكة المتحدة بالوصول الكامل إلى سوق الاتحاد الأوروبي لبيع الأسماك التي يتم صيدها بواسطة قوارب الصيد البريطانية. من ناحيتهم، يصر المفاوضون البريطانيون على أن المملكة المتحدة أصبحت الآن دولةً مستقلةً وستقوم بمنح قوارب الصيد الخاصة بها وصولاً تفضيلياً إلى المياه الإقليمية البريطانية.
القضية الرئيسية الثالثة هي كيفية تنظيم أي اتفاق مستقبلي. يضغط الاتحاد الأوروبي من أجل التمكن من اتخاذ إجراءات ضد المملكة المتحدة في أي مجال من الاتفاق رداً على انتهاكات لأي جزء منه. بالمقابل، تدفع المملكة المتحدة باتجاه أن يكون الرد على الخروقات مقتصراً على مجال الاتفاق الذي حدث فيه الخرق.
تعتبر الاختلافات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن هذه القضايا الرئيسية الثلاث جوهرية للغاية لدرجة أن الاتفاق على صفقة قبل نهاية العام يتطلب جهوداً كبيرةً وإرادةً قويةً. وعادةً ما يستغرق الأمر سنوات لعقد اتفاق تجاري، لكن لم يتبق سوى ثلاثة أسابيع من أجل إتمام هذه العملية. لذلك، فإنه حتى لو تم الاتفاق الآن على اتفاقية تجارة حرة، فستكون بالأحرى حلاً وسطاً قصير الأجل بدلاً من اتفاقية شاملة وطويلة الأجل.
وقال جيمس كليفرلي، وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية، لشبكة بي بي سي أن المملكة المتحدة ستواصل التفاوض "طالما كان لدينا الوقت المتاح أو حتى نحصل على اتفاق". وأشار إلى أن المحادثات مع الاتحاد الأوروبي "غالباً ما تستمر حتى الدقيقة الأخيرة من اليوم الأخير"، مضيفاً "ما زال هناك وقت". في غضون ذلك، نقلت صحيفة فاينانشال تايمز عن كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي ميشيل بارنييه قوله لمسؤولي الاتحاد الأوروبي أنه "لا يستطيع ضمان" التوصل إلى اتفاق تجاري مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وفي ظل ما قاله أحد الدبلوماسيين بأن "الاتحاد الأوروبي على استعداد لبذل جهد إضافي للاتفاق على صفقة عادلة ومستدامة ومتوازنة. . . على المملكة المتحدة أن تختار بين هذه النتيجة الإيجابية أو عدم التوصل إلى اتفاق ".
بدلاً من الحكم على الأشياء من خلال مثل هذه التصريحات، فإن المؤشر المفضل لدينا على "الوضع القائم" فيما يتعلق بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو سعر الصرف بين اليورو والجنيه الإسترليني. فقد انخفض الجنيه الإسترليني بحوالي 18% عندما صوتت المملكة المتحدة بفارق ضئيل على مغادرة الاتحاد الأوروبي في عام 2016 ولم يتعافى أبداً بعد ذلك. وعليه، فإن هذا المؤشر لا يشير إلى احتمال حدوث تقدم في المستقبل القريب.
ويعتبر "التسويف" المعيار الذي أعتمده صنّاع السياسات الأوروبيون على مدى العقد الماضي أو ما يزيد. كما راهن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسن على عدم تمديد الفترة الانتقالية إلى ما بعد 2020. لذلك، فإن خروج بريطانيا دون اتفاق لا يزال احتمالاً وارداً ويشكل تهديداً حقيقياً للآفاق الاقتصادية لكل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وذلك في وقتٍ بدأت فيه الأخبار المتعلقة باللقاحات تبعث الآمال بإمكانية الهروب إلى وضع طبيعي جديد بعد عمليات الإغلاق التي فرضتها جائحة كوفيد-19.
يمكنك أيضاً تنزيل نسخة PDF من التقرير عربي و English