بدأ العام الحالي بشكل إيجابي للاقتصاد العالمي. فقد ساد تفاؤل قوي بينما كان النشاط الكلي يمهد الطريق لفترة أخرى من النمو المتسارع. ومع ذلك، أخذت الأوضاع العالمية منعطفاً خطيراً مع انتشار وباء كوفيد- 19. فقد أدى هذا الوباء، وهو حدث نادر "لا يتكرر سوى مرة واحدة كل قرن"، إلى فرض الإغلاقات العامة وإجراءات التباعد الاجتماعي عبر جميع القارات، في حركة متزامنة أنتجت أكبر صدمة اقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية.
وكانت الدول الأوروبية استباقية بشكل أكبر من الولايات المتحدة في إعادة فرض تدابير التباعد الاجتماعي، والإغلاقات الجزئية، وفي بعض الحالات الإغلاقات العامة (كما حدث في فرنسا والنمسا). ومن الضروري اتخاذ تدابير أكثر صرامة لتجنب إنهاك مؤسسات الرعاية الصحية، إلا أن تلك التدابير قد تؤدي إلى تجميد السفر والتجمعات والاحتفالات.
لحسن الحظ، يساعد الالتزام الكبير بارتداء الكمامات، إلى جانب التحسينات في وسائل الاختبار وتتبع الإصابات والعلاج، على تقليل المعدل الطبيعي لتفشي العدوى وشدة الأعراض في معظم الحالات. وهذا بدوره يسمح باتخاذ إجراءات أقل تقييداً ومستهدفة بدرجة أكبر، وسيكون لها تأثير أقل نسبياً على النشاط الاقتصادي. في الواقع، حتى أوروبا، التي شهدت أكبر زيادة في الحالات الجديدة، لم تشهد سوى تراجعاً بسيطاً في النشاط الاقتصادي وفقاً لمؤشر مدراء المشتريات، على الرغم من أن بيانات التنقل الفورية تظهر تأثيراً أكبر ونتوقع أن يتراجع مؤشر مدراء المشتريات أكثر في نوفمبر وديسمبر.
يتناول تحليلنا التوقعات الخاصة بالولايات المتحدة وأوروبا والصين واقتصادات آسيا الناشئة بناءً على المؤشرات عالية التواتر التي صدرت بالفعل، إلى جانب الدعم الناتج عن السياسات الاقتصادية وتأثير الأحداث الأخيرة بما في ذلك الانتخابات الأمريكية والإعلانات المرتبطة باللقاحات.
أولاً، تعترض توقعات الربع الرابع للاقتصاد الأمريكي تحديات بشأن ضرورة كبح الارتفاع الحاد في حالات كوفيد- 19. وتتمثل المعيقات الأخرى في استمرار فشل الكونغرس في التوصل إلى اتفاق بين الحزبين حول تقديم الدعم المالي للموظفين والشركات المتأثرة بإجراءات الإغلاق والتباعد الاجتماعي. لحسن الحظ، يبدو أن بنك الاحتياطي الفيدرالي على استعداد لبذل كل ما في وسعه لدعم الاقتصاد وقد يقدم المزيد من الدعم عبر السياسات الاقتصادية في اجتماعه القادم. في الواقع، ساعد هذا الدعم القوي الاقتصاد الأمريكي على الحفاظ على توسعه في الربع الثالث حتى مطلع الربع الرابع. وقد يتجنب الاقتصاد الأمريكي بشكل عام حدوث انكماش مزدوج، لكن النشاط سيظل دون المستويات التي كان عليها قبل الوباء لبعض الوقت.
ثانياً، نتطرق إلى أوروبا. فعلى الرغم من فعالية إجراءاتها في إعادة السيطرة على الوباء، إلا أن عمليات الإغلاق الاستباقية ستؤدي للأسف إلى تأثير أكبر على الناتج المحلي الإجمالي. ولذلك، نتوقع حدوث انكماش مزدوج في منطقة اليورو مع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي في الربع الرابع عن المستويات التي كان عليها في الربع الثالث. تظل كل من السياسة المالية والنقدية مقيدة بسبب عدم رغبة دول الشمال الأكثر تحفظاً في إغاثة بلدان الجنوب الأقل تقشفاً. ومع ذلك، نرى أن "البنك المركزي الأوروبي من المرجح أن يقدم دعماً إضافياً في اجتماع ديسمبر".
ثالثاً، اتخذت الصين، التي تم فيها اكتشاف وباء كوفيد- 19 لأول مرة، عدة إجراءات صارمة للغاية للحد من الإصابات الجديدة وسرعان ما تمكنت من السيطرة على الوباء. في الواقع، تمكنت معظم البلدان الأخرى من بين أسواق آسيا الناشئة أيضاً من الحد من انتشار الوباء. وشكل هذا الأمر، بالإضافة إلى حقيقة أن العديد من سلاسل التوريد العالمية منتشرة عبر "مصانع آسيا" وارتفاع الطلب على مجموعة من السلع المصنعة (بما في ذلك الإلكترونيات والمستلزمات الطبية)، عوامل دعم للنشاط الاقتصادي عبر الأسواق الناشئة الآسيوية. علاوة على ذلك، كان لدى الحكومات والبنوك المركزية الآسيوية حيز أكبر بكثير مما هو متاح للولايات المتحدة وأوروبا لاستخدام مزيج من الحوافز النقدية والمالية لدعم النشاط الاقتصادي. وكانت المحصلة النهائية هي أن تأثير الوباء في الصين وأسواق آسيا الناشئة كان أقل حدة على النشاط الاقتصادي في 2020 من تأثيره في الولايات المتحدة أو أوروبا. في الواقع، تمكنت كل من الصين وفيتنام بالفعل من الحفاظ على معدلات نمو إيجابية في عام 2020، على عكس معظم دول العالم الأخرى.
أخيراً، إن الأخبار الإيجابية الأخيرة المتعلقة بفعالية لقاح فايزر- بيونتك تبشر بالخير. وستبدأ عمليات التطعيم بشكل تدريجي فقط ثم ستستغرق بعض الوقت لنشرها بشكل أوسع نظراً لتحديات الإنتاج والتوزيع. لكن يوجد الآن "ضوء في نهاية النفق" ونتوقع تلقيح عدد كبير من الأشخاص الأكثر عرضة للتأثر بالوباء بحلول نهاية عام 2021. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن اللقاحات ستعزز التوقعات بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا بشكل أكبر من الصين، وذلك ببساطة لأن هذه الاقتصادات تضررت بشدة أكثر من الوباء في عام 2020.
لقد أدت الإجراءات الصحية الطارئة إلى الحد من الأضرار التي تسبب فيها وباء كوفيد- 19 في عام 2020، وساعد الدعم المقدم عبر السياسات النقدية والمالية على تجنب موجة من التزايد المستمر في معدلات البطالة وحالات الإفلاس في الولايات المتحدة وأوروبا والصين. ومع ذلك، من المتوقع أن تستفيد الولايات المتحدة وأوروبا أكثر من الصين في عام 2021 من طرح اللقاحات بشكل فعال، وذلك ببساطة لأنهما تضررا بدرجة أكبر بجائحة كوفيد- 19 في عام 2020.
يمكنك أيضاً تنزيل نسخة PDF من التقرير عربي و English